الجباية والخراج
جبايات القدماء :
عزّ علينا الظفر بنص صريح في أصول الجباية عند الأمم القديمة التي انبسط سلطانها على هذا القطر ، وغاية ما عرفنا عن الرومان وهي الأمة الأعرق في المدنية من غيرها والتي طال عهدها سبعمائة سنة ، أنه كان يقضى على الشعب الشامي أن يؤدي الجزية وعشر غلاته ، وإتاوة من المال ، ورسما على كل رأس. وللشعب الروماني مواد مهمة من الجمارك والمناجم والضرائب والحقول الصالحة لزرع الحنطة والمراعي يؤجرونها من شركات متعهدين يسمونهم العشارين ، يبتاعون من الحكومة حق جباية الخراج. وفي كل ولاية عدة شركات من العشارين ولكل شركة مستخدمون من الكتاب والجباة يظهرون في مظهر السادة ، ويتناولون أكثر مما يجب لهم أخذه ، ويسلبون نعمة الأهلين ، وكثيرا ما يبيعونهم كما يباع الرقيق. ولما كان الرومان قد جمعوا ثروة الأمم المغلوبة أصبحت الدراهم كثيرة جدا في رومية ، ونادرة جدا في الولايات ، فكان يتيسر في رومية الاقتراض بفائدة أربعة أو خمسة في المائة ، أما في الولايات فلا يقل عن اثني عشر في المائة. وإذا لم يستطع المدين أن يوفي رأس المال ورباه يعمد الصيارف في تقاضي أموالهم إلى الطرق التي يستعملها العشارون. أوجز أحدهم السياسة الامبراطورية في الرومان بقوله : «الراعي الصالح يجزّ صوف غنمه ولا ينتفه» فمضى قرنان وأباطرة الرومان يكتفون بجز سكان مملكتهم ، يسلبون منهم كثيرا من الأموال ولكنهم يحمونهم من العدو الخارجي.