أمر الأمة من خليفة أو سلطان أو ملك أو أمير ، فإذا صلح الرأس صلح الجسد كله. وإذ كانت دواعي الإنفاق محصورة في الداخل ، وكان النقد أقل من هذه الأيام بالطبع ، والتفنن في ضبط الشؤون الاقتصادية لم يبلغ مبلغه في القرون الأخيرة ، وحركة المعاملات والمقايضات محدودة ، وأضعف من العصور الحديثة ـ كانت المسائل المالية لعهد العرب إلى السذاجة لأول الأمر شأنهم في عامة أمورهم.
والجباية أول الدولة كما قال ابن خلدون تكون قليلة الوزائع كثيرة الجملة ، وآخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة ، فإن كانت الدولة على سنن الدين فليست إلا المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية ، وهي قليلة الوزائع ، لأن مقدار الزكاة من المال قليل ، وكذا زكاة الحبوب والماشية ، وكذا الجزية والخراج وجميع المغارم الشرعية وهي حدود لا تتعدى ، وإن كانت على سنن التغلب والعصبية فلا بد من البداوة في أولها ، والبداوة تقتضي المسامحة والمكارمة وخفض الجناح ، والتجافي عن أموال الناس والغفلة عن تحصيل ذلك إلا في النادر. قال : والدولة تكون في أولها قليلة الحاجات لعدم الترف وعوائده ، فيكون خرجها وإنفاقها قليلا ، ويكون في الجباية حينئذ وفاء بأزيد منها ، بل يفضل منها كثير عن حاجاتهم، ثم لا تلبث أن تأخذ بدين الحضارة في الترف ، فيكثر لذلك خراج أهل الدولة ، ويكثر خراج السلطان خصوصا كثرة بالغة ، فيزيد في مقدار الوظائف والوزائع ، ويستحدث أنواعا من الجباية يضربها على البياعات ، ويفرض لها قدرا معلوما على الأثمان في الأسواق ، وعلى أعيان السلع في المدينة.
ضروب الجباية :
كانت الجباية في الصدر الأول تجمع من الخراج والعشور والصدقات والجوالي (١) أي إن لها أربعة موارد رئيسة ، ثم صارت أصول جهات
__________________
(١) «الفيء» ما يؤخذ من أرض العنوة «الخراج» ما يؤخذ من أرض الصلح «العشر» ما يؤخذ من زكاة الارض التي أسلم اهلها عليها والتي أحياها المسلمون من الأرضين أو القطائع ـ