تحري العدل في الدولتين النورية والصلاحية :
والغالب أن المكوس والضرائب كثرت أواخر حكم العباسيين والعبيديين في الشام. وبقيت رسوم كثيرة أبطلها نور الدين ، وأبطل أبق الصوفي الأقساط في دمشق وما كان يؤخذ في الكور من الباعة جملة. قال ابن أبي طي : إن الذي أسقطه السلطان صلاح الدين والذي سامح به لعدة سنين آخرها سنة أربع وستين وخمسمائة مبلغه عن نيف ألف ألف دينار وألفي ألف اردب ، سامح بذلك وأبطله من الدواوين وأسقطه من المعاملين ، وكذلك فعل أخوه أبو بكر بن أيوب فإنه أبطل كثيرا من المظالم والمكوس وطهر بلاده من الفواحش والخمور والقمار ، وكان الحاصل من ذلك بدمشق خصوصا مائة ألف دينار ، ولما دخل صلاح الدين دمشق سنة (٥٧٠) أزال المكوس واقتصر في جميع الأقاليم على الرسوم التي يبيحها الشرع وهي الخراج والأجور والزرع ، وكذلك كانت من قبل سيرة نور الدين محمود بن زنكي فإنه منع ما كان يؤخذ من دمشق من المغارم بدار البطيخ وسوق الغنم والكيالة وغيرها.
ومع كثرة احتياج الدولة للمال زمن نور الدين وصلاح الدين كانت الجباية إلى الرفق في الجملة ، فأطلق نور الدين المكوس والضرائب واكتفى بالخراج والجزية. وأسقط صلاح الدين فريضة الأتبان المقسطة على أعمال دمشق وضياع الغوطة والمرج وجبل سنير وقصر حجاج والشاغور والعقيبة ومزارعها ، ولما فتح حلب أطلق المكوس والضرائب وسامح بأموال عظيمة ومنها ما هو على الأثواب المجلوبة ، ومنها ما هو على الدواب المركوبة ، ومنها ما هو في المعايش المطلوبة» ومما كتب عنه من منشور «إن أشقى الأمراء من سمن كيسه وأهزل الخلق ، وأبعدهم من الحق من أخذ الباطل من الناس وسماه الحق».
قال ابن أبي طي : حدثني كريم الدولة بن شرارة النصراني وكان مستوفي دار حلب يومئذ أنه عمل ارتفاع سنة تسع وستمائة في الأيام الظاهرية ، دون البلاد الخارجية عنها والضياع والأعمال ، فبلغ ستة آلاف وتسعمائة ألف وأربعة وثمانين ألفا وخمسمائة درهم قال: ومما أحطت به علما في