ولما فتحت الشام قسمت خمسة أجناد أي خمسة فيالق بحسب مصطلح هذه الأيام. فسمّيت كل ناحية بجند كانوا يقبضون أعطياتهم فيها ، وكان الجنود أولا من عرب الجزيرة ثم دخل فيهم من دان بالإسلام من جميع الشعوب المغلوبة ، وكان اليمانيون أكثرية الجيش الشامي ، وعليهم جلّ اعتماد رأس بني أمية في الشام. ذكروا أن سفيان بن عوف كان اتخذ من كل جند من أجناد الشام رجالا أهل فروسية ونجدة وعفاف وسياسة وحروب وكانوا عدة له قد عرفهم وعرفوا به.
بعض قوانين الجيش العربي :
ومن الجيش ما كان تحت الطلب في كل ساعة ، ومنه ما يجند أي يجمع في أيام قلائل حين الحاجة ، والأعطيات للجنود دارة في كل شهر ، ولهم معظم المغانم في الحروب ، يتقاسمونها مع قوادهم بحسب بلائهم ورتبهم ودرجاتهم ، وللجند مصطلحات معلومة ولهم أمراء وقواد ، يعرّفون عليهم العرفاء وينقّبون عليهم النقباء ، لتعرف من عرفائهم ونقبائهم أحوالهم كما قال الماوردي ، ولكل طائفة شعار يتداعون به ليصيروا متميزين وبالاجتماع متظافرين ، وللأمير «أن يتصفح الجيش (أي يستعرضه ويفتشه) ومن فيه ليخرج من كان فيه تخذيل للمجاهدين وإرجاف للمسلمين أو عين لهم للمشركين. وإن احتاج أمير المؤمنين إلى جند وكتب إلى من ولاه ناحية من بلاده بإشخاصهم إليه أو إلى أي ناحية من النواحي أو إلى عدو من أعدائه خالفه أو أراد نقض شيء من سلطانه أن ينفذ أمره ولا يخالفه ولا يقصر في شيء كتب به إليه».
وأوجبوا على أمير الجيش في سياسته عشرة أشياء : أحدها حراستهم من غرة يظفر بها العدو منهم ، وذلك بأن يتتبع المكامن ويحوّط سوادهم بحرس يأمنون به على نفوسهم ورجالهم ، ليسكنوا في وقت الدّعة ويأمنوا ما وراءهم في وقت المحاربة. والثاني أن يتخيّر لهم موضع نزولهم لمحاربة عدوهم ، وذلك أن يكون أوطأ الأرض مكانا ، وأكثرها مرعى وماء ، وأحرسها أكنافا وأطرافا ليكون أعون لهم على المنازلة ، وأقوى لهم على