تفنن الجزار في أخذ المال وطريقة العثمانيين :
وهكذا انقضى القرن الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر في سلسلة مغارم ومظالم ، فقد تولى أحمد باشا الجزار دمشق سنة (١٢٠٠) ولم يرتح شهرا واحدا من طلب المال ظلما ، ومن طرح النقود وطرح البضائع المتنوعة ، ينهبها من جهات ويطرحها على أخرى بأسعار زائدة. ومن مظالمه أنه إذا وجد قتيل في أحد الأنهار يلحقون جميع القرى التي تشرب من ذاك النهر ، ويأخذون منهم مالا غزيرا ، وكان لا عمل له إلا القبض على الأغنياء ومصادرتهم على أبشع صورة فصدق فيه قول الشاعر :
قد بلينا بأمير |
|
ظلم الناس وسبّح |
فهو كالجزار فيهم |
|
يذكر الله ويذبح |
قال ابن آق بيق في حوادث سنة : (١٢١٧) شغل الشام بالظلم وإكرامية الباشا ، واشتغل حسن آغا بالظلم في دمشق وإرهاق القرى بالطروحة والإكراميات وإقراض الذخائر ومعاونة الجردة وغير ذلك من المظالم التي لم يسمع لها أثر في السابق.
وقال ابن عابدين : إن غالب الغرامات الواردة على القرى في هذا الزمان (أي في أوائل القرن الثالث عشر) ليس لحفظ أملاك ، ولا لحفظ أبدان ، وإنما هي مجرد ظلم وعدوان ، فإن غالب مصارف الوالي وأتباعه ، وعمارات منزله ومنزل عساكره ، وما يدفعه إلى رسل السلطان الواردين بأوامر ونواه وأمثال ذلك كله يأخذه من القرى ويسمون ذلك بالذخيرة ، تؤخذ في بلادنا في السنة مرتين ، ويزيد فيها دراهم كثيرة رشوة لأعوانه وحواشيه من أعيان البلدة ، وقد جرت العادة بقسمة ذلك كله على عدد فدن القرية ، وتارة يقسمونه على مقدار حق الشرب بالساعات الرملية ، فمن كان له فدان مثلا يؤخذ منه ما يخصه أو من له ساعة يؤخذ منه ما يخصه سواء كان رجلا أو امرأة أو صبيا ، وكذا يجعلون منها على رقاب الرجال الساكنين في القرية الذين لا ملك لهم فيها.
ومما اخترعه العثمانيون «الزعامة» وهي عبارة عن قرى يقطعها من