إلى غير مصالحهم ، فطرأ على المعاملات خلل ، وبسوء تأثير ذلك فسدت أخلاق الناس ، وكثر القتل والنهب والغارة على الأموال والعروض في كل مكان ، واختل الأمن كل الاختلال. قال : وإذا ألقينا نظرة على واردات الدولة نرى الخراج والأموال قد نزل ارتفاعها إلى النصف ، وخرب القطر بالأعشار ، وقلّ البدل العسكري ، وحدّث ما شئت عن بلية «القائمة (١)» فمن أجل سقوط أسعارها نزلت الواردات في العام الماضي إلى النصف ، وبقي النصف الآخر في باب النفقات بدون تسديد.
وكلام مدحت باشا يشمل ولايتي سورية وبيروت لأن الولايتين في عهده كانتا ولاية واحدة فكلامه يتناول معظم سورية وفلسطين ، وبالطبع كانت فلسطين أقصى الجنوب وحلب في أقصى الشمال على هذه الصورة أو أشد ، لأن روح المملكة كان واحدا ، وهي «المركزية» الشديدة ، وكانت في الدور الذي سلف «لا مركزية» ولكنها أشبه بالفوضى. ولم تتغير الحالة المالية عن عهد مدحت باشا بل ظلت تعسة إلى رحيل الأتراك عن الشام ، وإن كانت الارتفاعات زادت في العقود الأربعة الأخيرة ، لانتشار الأمن في الجملة ، بتأسيس المحاكم النظامية التي قضت على الأشقياء بعض الشيء ، وكفت البادية عن العيث. بعد أن كانت تأتي لأخذ الخوّة من القرى القريبة من الحواضر ، ولزيادة النفوس بقلة الأوبئة وسد العجز المالي ، ولا سيما في الساحل بما أدخله المهاجرون إلى أميركا وغيرها من الشاميين ، فكانوا وما زالوا يحملون إلى هذه الديار أموالا تدخل في تحسين الزراعة والصناعة وتزاد بها الحركة التجارية. وكانت الدولة العثمانية كلما سلخت عنها الولايات النائية تزيد في مقدار الجباية والمظالم ، فالدخل ينقص على الدوام بسلخ الممالك من جسمها ، والخرج يزيد لأن أهل الإستانة عالة على أهل الولايات ، يشقى هؤلاء لينعم أولئك ، ويبنوا القصور ويتمتعوا بالحور والولدان.
الاشتطاط في الأعشار والقسط في الجباية :
ولم يكف الحكومة العثمانية زيادتها في العشور حتى بلغت ثلاثة عشر إلا
__________________
(١) الورق النقدي الذي أصدرته الدولة في حرب روسيا وكان سبب ابتزاز قسم عظيم من ثروة الأمة.