واحدة ، والرأي في تعطيلها لصاحب القوة أيا كان.
كان أكثر العمال وأصحاب الأموال في عصور المصادرات يقفون الأوقاف على الجوامع والمدارس والرّبط والمستشفيات وغيرها فرارا بأموالهم من مصادرات الملوك إذا غضبوا عليهم ونحّوهم عن وظائفهم ، أو قضوا نحبهم فطمعوا في وفرهم ، وهذا كان الشأن مع الأقوياء والأمراء وأرباب الإقطاعات. ومن الأوقاف ما منحه الملوك بعض عمالهم وحاشيتهم ليستمتعوا بها ما داموا أحياء على سبيل الإقطاع ، فما عتّم المنعم عليهم أن جعلوا ذاك العقار أو تلك القرية بواسطة القضاة وأهل الحكم أوقافا شرعية يتناولها أعقابهم من بعدهم فتتوزع عليهم بعد أن يكونوا ألفوا الاتكال ، وانقطعت أيديهم عن الأعمال ، إلا من بسطها لتناول ريع أوقافهم الحقيرة. وإذا كان بعض الواقفين توقعوا من أوقافهم أن تقي أبناءهم وأحفادهم عوادي الفاقة ، فإن اعتماد أنسالهم على ما خلفه لهم آباؤهم قد يرميهم فيما كانوا يحاذرونه من الفقر ، وذلك لتوزع الوقف بتعدد الأنصبة ، ولأن المستحقين لمغلّ الوقف يعتمدون على ريع أوقافهم التي تأتيهم بلا عمل غالبا ، وينسون أن الثروة هي العمل ، وأن من لا يعمل لا يثري ولا يتنعم ، سنة الله في خلقه.
التفنن في الأحباس والتلاعب بالموقوف :
ولقد تفنن القوم في أنواع الأوقاف حتى لا يكاد يخطر ببالك خاطر في الوقف إلا وتجد من سبقك إليه مما أوشكت أن تكون معه معظم ديار الإسلام موقوفة ، وكاد يصبح نصف أرض المملكة تقريبا من نوع الوقف ، وكانت ثلاثة أرباع الأملاك في المملكة العثمانية وقفا على الجوامع والمساجد. والأحباس والأوقاف عامة وخاصة ، فالعامة هي ما جعل عينها وريعها بدون قيد ولا شرط وقفا على أعمال الخير والبر أو على المصالح العامة. أما الخاصة فهي التي جعل واقفوها حق الاستمتاع بريعها إلى وارثيهم مباشرة ، ولا تؤول إلى الأوقاف العامة إلا بانقراض نسل الواقف. قلنا : ومن العادة أن يشرط الواقفون في أواخر صكوكهم شروطا منها أن الوقف إذا انحل بفقد الذرية وانقراض المستحقين يعود بجملته إلى الحرمين الشريفين ، ومن الناس