سأؤجل إلى فصل لاحق الحديث عن تفاصيل مرتبطة بالحكومة وتنطبق عموما على الجزء الأعظم من المدن في (عمان). أما الآن فسأقدم وصفا لمدينة مسقط ومن ثم أبدأ بسرد رحلاتي. ثمة ملاحظات مختلفة عن هذه المدينة يمكن العثور عليها في الصفحات التي دونها (نيبور) و (هاملتن) وغيرهما. إلّا أن معظمها تعود إلى فترة بعيدة فلما تنطبق عليها الآن نظرا للتغيرات الكبيرة التي شهدتها ظروفها وتجارتها في ظل حاكمها الحالي. لهذا السبب ، سأستعرض نتائج ملاحظاتي وأبحاثي بشيء من التفصيل.
يبدو أن قدامى الجغرافيين عرفوا منذ زمن مبكر موقع مسقط (١) وربما كانت هي Moscha أحد موانئ حضرموت الذي ذكره (بطليموس) ولاحظ ذلك أيضا (آريان) في كتاب الPeriplus (دليل الملاحين في البحر الأرثيري) بوصفها مركز التجارة الضخم بين الهند وبلاد فارس وشبه جزيرة العرب (٢). لكن على الرغم من هذا الدليل ، فإن مسقط لم تكن تبدو مركزا تجاريا مهما إلى أن استولى البرتغاليون على المدينة سنة (١٥٠٨) وحولوها إلى ميناء متوسط يمكن لسفنهم أن تحصل منها على المؤن والأطعمة وهي في طريقها من مستعمراتهم الهندية إلى جزيرة (هرمز) في الخليج العربي وبسبب هذه النظرة إلى (مسقط) عمدوا إلى تعزيزها بالمال والجهد. ولما تم استيلاء الفرس على المدينة الثانية في السادس والعشرين من نيسان / أبريل سنة (١٦٢٢) في عهد الإمبراطور (شاه عباس) ، لجأ عدد كبير من أثريائها إلى (مسقط). وفي سنة (١٦٥٨) استعاد العرب المدينة من البرتغاليين وقضوا على كلّ
__________________
(١) يكتبها الإدريسي مسكه.
(*) MOSCHA ليست مسقط وإنما هو ميناء على ساحل ظفار يقع على بعد نحو ٤٠ كم إلى الشرق من صلالة في الموقع الذي يسمى حاليا (خور روري) وتطلق عليه النقوش الحضرمية المكتشفة فيه ـ والتي يعود تاريخها إلى القرن الثاني أو الأول ق. م ـ (هجرن / سمرم) أو (هجرن / سمهرم) أي مدينة (سمر / سمهر) كما تطلق تلك النقوش على تلك المنططقة الساحلية (أرض / سأكلن) أو (أرض / سأكلهن) أي أرض (السأكل) وتحكي تلك النقوش إنشاء تلك المدينة عند ما جهز ملك حضرموت العزيلط قوة استيطانية من سكان عاصمته (شبوه) ضمت مخططين وبنائين تحت قيادة (أبيشع سلجن بن ذمر علي) الذي أنجز تلك المهمة وبنى ذلك الميناء الذي اشتهر وكان اللبان يجمع فيه ثم يرسل بحرا إلي ميناء حضرموت الرئيس (قنا) ومنه برا إلى شبوة أبو برا إلى العاصمة (شبوه) مباشرة مرورا بوادي حضرموت. وقد ذكر المؤلف اليوناني المجهول لكتاب الPARIPLUS والذي عاش في القرن الأول الميلادي ميناءMoscha كما أطلق على المنطقة الساحلية الساكليت (Sachalite) وهي إشارة واضحة إلى (أرض الساكل) التي وردت في النقوش أما المؤرخ اليوناني آريان ARRHIANOS الذي نسب إليه المؤلف خطأ كتاب الPeriplus فقد ألف كتابا قدم فيه وصفا لحملة الإسكندر عرف باسم (الأناباز).