من الأرض التي شيّد عليها أتباعه خيامهم فصارت فيما بعد بلدة صغيرة حملت نفس الاسم نفسه ، وسرعان ما اعتنق أفراد هذه القبيلة المذهب الوهابي الذين كانوا متحالفين معهم تحالفا وثيقا ولهذا السبب يمكن أن نعزو كراهيتهم الشديدة لأمراء عمان. ويعد زعيمهم اليوم شخصا سياسيا ماكرا ، وهو يتمتع بقدرات حربية عظيمة إلا أنه يفتقر إلى الشجاعة والجرأة التي تميز العربي. وقد دمرت عاصمته (رأس الخيمة) سنة (١٨١٩) لكن أعيد بناؤها فيما بعد وربما كانت جذابة أكثر ويقطنها عدد أكبر من الناس عن ذي قبل. ولو لم تظل سفننا في حالة صلة معهم باستمرار ، فإن مما لا شك فيه أن يقوم ببعض الاضطرابات.
القبيلة التي تأتي بعدها في الأهمية هي قبيلة (بني ياس). وكان زعيمها الراحل الشيخ (طحنون) (١) شخصية كبيرة ويتمتع بقدرة فائقة وله قوة اعتيادية مؤلفة من أربعمائة رجل مدججين بالسلاح والعتاد. وعلى الرغم من أن عدد هؤلاء يبدو قليلا ، إلا أنه يكفي لأن يمنحه نفوذا واسعا على خصومه وأن في وسعه حشد أربعة آلاف مقاتل في ميدان القتال.
لقد حظيت سفن المسوحات سنة (١٨٢٨) باهتمام كبير من لدن هذا الزعيم الذي كان شديد الولع بالعديد من الألعاب التي كان الضباط والرجال يقضون أوقات فراغهم فيها عند ما كانوا يتعاملون معه ، وكان سعيدا إذ يشارك الضباط رجاله في تلك الألعاب. وكانت روح الدعابة سائدة آنذاك. ففي أحد الأيام تقرر أن يتسابق أحد الضباط مع (طحنون) الذي كان أقصر قامة لكنه بالغ الحيوية ، محب للتسلية. وبعد بدء العدو بوقت قصير ، أصبح الضابط في المقدمة ، لكن عند اقترابه من الهدف وجد أن الشيخ الصغير يوشك أن يتجاوزه ، فما كان منه إلا أن رمى بنفسه في طريقه ، فسقط هذا وسط صيحات الضحك من قبيلته. لكنه لم ينزعج ، بل نهض وهنأ منافسه على حيلته. وفي المصارعة والقفز وغير ذلك من التمارين الرياضية ، كان العرب بارعين فيها ، بل كانوا يتفوقون على الأوروبيين.
إن السلطة التي يمارسها هؤلاء الزعماء لا تختلف إلا قليلا عن السلطة التي تتمتع بها حكومة الشيخ التي سأتحدث عنها الآن. إن سلطة الزعماء ـ وبسبب الطبيعة العنيفة والقاسية التي يتصف بها المحكومون ـ لا بد أن تكون بالضرورة ذات طبيعة استبدادية ،
__________________
(*) الشيخ طحنون بن شخبوط حكم في الفترة (١٨١٨ ـ ١٨٣٣ م).