لكن للوجهاء كلمتهم أيضا في فض النزاعات والقضايا التي تخص مصلحة القبيلة. ولا يستشار الشيخ ولا يطلب منه الحضور ، كما أن القبيلة تحكم دون اللجوء إلى العقاب. إذ بسبب كون العلاقات بسيطة ومفهومة في جزيرة العرب ، قلما تحدث الجرائم الموجهة ضد نظام المجتمع. ويحافظ هؤلاء الزعماء في مأكلهم وأسلوب معيشتهم على نفس حياة شيوخ البدو البسيطة ، وهذه مسألة غريبة لأنهم لا يعيشون في صحراء معزولة بل على صلات دائمية بالهنود والفرس ولديهم قوة أكبر ومال أكثر مما يجعلهم لا يجدون صعوبة في توفير وسائل الراحة لأنفسهم. إن هذا التنكر للذات لا بد أن يعد طوعيا في الوقت نفسه الذي يحتفظ فيه بالعادات الوطنية.
عند ما كنت أقوم برحلة على هذا الساحل سنة (١٨٢٧) ، وأحمل رسائل لشيخ الشارقة سلطان بن صقر (١) ، هبت ريح عاتية غير متوقعة تسببت في انقلاب قاربنا. حدث هذا ونحن على مقربة من الساحل لكننا وصلنا بسلام لأننا كنا نعرف السباحة جيدا. وبعد وصولنا الساحل ازدادت الريح ضراوة ومرت ثلاثة أيام لم نتمكن في أثنائها من مغادرة المكان والتوجه إلى السفينة. وعندئذ توفرت لدي فرصة لدراسة السلوك الخاص للناس وحكامهم. ولم يهدأ للسلطان بال في الاهتمام بي ، وكان إعداد الطعام يتم في منزله قبل أن يرسل إليّ ، وفي أحد الأيام دعاني لتناول الطعام وإياه مساء. واستقبلني في غرفة صغيرة لا تحتوي إلا على منضدة وكرسيين أو ثلاثة كراسي قدمها له قائد سفينتنا ، وبعض السجاد الذي جلسنا فوقه. كان الطعام مقتصدا قام بعده شقيق الشيخ بتحميص القهوة وطحنها ثم قام الشيخ نفسه بتقديمها إليّ. ثم جاء أحد الرواة وروى قصة أثارت ضحك الجميع. أما أنا فكنت أجهل اللغة فلم أفهم شيئا.
__________________
(*) الشيخ سلطان بن صقر (الأول) حكم في الفترة (١٨٠٣ ـ ١٨٦٦ م).