الفصل العشرون
التجارة والصناعات
إذا أردنا أن نتأمل في موقع عمان المفيد ، بوصفها سوقا لتجارة الهند وبلاد فارس والجزيرة العربية ، فإن مما يدعونا إلى الدهشة أن هذا الإقليم لم يصل البتة إلى أي مرتبة تجارية مهمة. بل إننا نجد على العكس من ذلك ـ باستثناء (مسقط) و (صحار) و (قلهات) التي حققت مجتمعة شهرة بسيطة ـ بأنه حتى في تلك الفترة التي كان فيها الطريق العام ، لتلك التجارة العظيمة القادمة من الهند والمارة بموانئها والمتجهة إلى أوروبا ، قد أثرى كل بلد يمر فيه ، فإن عمان ظلت مستثناة من تحقيق أي فائدة منه. لكن في بلاد تكون فيها الاحتياجات السطحية قليلة ـ بسبب اقتصاد السكان ـ وتكون الحاجات الطبيعية ، كما في هذه الحالة ، متوفرة بفعل الثروات الزراعية ، فإنه لا يمكن أن توجد تجارة داخلية نشطة. ولهذا السبب ، فإن سكان عمان مستقلون إلى حد ما عن بقية الأمم وهم فخورون جدا بنسبهم وبلادهم وحريتهم ، مما يجعلهم يأنفون الاختلاط بجيرانهم الأقل حظا منهم : فقد احتفظوا بنفس الوضع الانعزالي الأولي. والطبقة الوحيدة التي تشتغل بالأمور التجارية هي تلك التي تعيش بالقرب من البحر. وهنا نستطيع الاستنتاج بأنهم اكتسبوا أول الأمر ميلا للمغامرة والملاحة في نفس الوقت الذي كانوا يهتمون فيه بالصيد على امتداد الساحل. ولا بد أنهم حققوا في الملاحة ، منذ وقت مبكر ، درجة كبيرة من التقدم طالما أننا نعلم بأن سفنهم أبحرت في القرن الثاني عشر من (صحار) في رحلات بحرية طويلة ، حتى كانت تصل إلى الصين. وفي يومنا هذا ، فإن مجمل تجارة عمان تمر من خلال تجار (مسقط) وقد شرحت كل التفاصيل الضرورية في أثناء حديثي عن تلك المدينة سابقا. أما الفروع التجارية الأخرى في (صور) و (بركاء) و (صحار) و (شناص) فهي أقل شأنا ، إذ تنحصر تجارتها في تصدير التمور التي يتلقون عوضا عنها الحبوب والأقمشة الهندية والحطب. أما الحالة الراهنة للتعليم والأدب والمصانع في عمان فلا تختلف كثيرا عن حالة الانحسار المماثل