الفصل الثاني والعشرون
سكان الصحراء وسكان المدن
سيكون أمرا غريبا على خطتي الراهنة لو حاولت أن أناقش مناقشة مفصلة جذور حكومة البدو وتاريخها العام وسبب استمرارها ردحا طويلا من الزمن والظروف التي دفعت السكان إلى الهجرة ونقل عناصر قليلة جدا منها إلى أجزاء أخرى. لكن على الرغم من ذلك ، فإن ثمة ضرورة لتقديم عرض موجز لتوضيح العلاقة السياسية والطبيعية لكلا الفئتين اللتين تقطنان الآن في (عمان) أما كقبائل رعوية مبعثرة أو كقوم يعيشون على الزراعة والتجارة ، وبسبب انتمائهم ولهجتهم وتقدمهم في المدينة فإنهم يختلفون اختلافا ماديا شديدا عن بعضهم بعضا ، مما يجعل من الضروري تناول كل منهما على حده.
في المراحل المبكرة من المجتمع ، أقرّ البشر بطاعة الإنسان الذين يدينون له بوجودهم. وفي وسعنا أن نتابع بالاستدلال الطبيعي امتداد السلطة التي أوكلت إلى الأب في أسرته بمختلف أفرادها ، أي القبيلة. ويستمر هذا الشيء حتى يغدو عدد أفراد القبيلة صعب الانقياد فلا يمكن تتبع خطواتهم ، أو يصبح الكلأ الشحيح غير كاف للأعداد المتزايدة من قطعانهم. وبعد ذلك بات ضروريا أن ينفصل جزء عن القبيلة ويبحث عن الطعام في أقاليم أكثر بعدا. ولسوف يستمر الأمر فترة زمينة في حصر السلطة بيد الأب أو في خلفائه المباشرين الذين قادهم في جولاتهم. ولكن بسبب ازدياد أعداد هؤلاء الخلفاء وتشبعهم ، فقد أصبح لزاما اختيار رؤساء مختلف القبائل أحد الأشخاص (الذي كلما كان نسبه قريبا من الأب غدا أفضل) الذين استطاعوا من خلال أسلوب حياتهم الحافل بالمغامرة والأخطار أن يتبوأ مكانة رفيعة لشجاعته وحكمته ويكون مهيئا لأن يتزعمهم في أثناء الحرب أو أن يترأس اجتماعاتهم في زمن السلم. ومع انتشارهم ، سيظلون يفاخرون بالنسب الذي انحدروا منهم ، وعند ظهور عدو مشترك ، يوحدون أنفسهم باتفاق طوعي مشترك لطرده. وإذا كانت قوتهم أول الأمر لا تكفي لإحداث مثل هذا الأمر علانية ، فإنهم