توغلنا أكثر في سيرنا. وفي الساعة الرابعة عصرا هبطنا إلى (وادي ميفعه) وحططنا رحالنا قرب بئر ماء طيب المذاق. وكان التبدل الذي أحدثته الجرعات المائية القليلة في منتهى الغرابة. فقبل وصولنا ، كانت الإبل تتعثر في كل خطوة تخطوها ، وكانت أنفاسها سريعة مسموعة كما أظهرت أعراضا أخرى تدل على الإنهاك. أما عند وصولنا إلى الماء ، فقد تقدمت منه بخطوات دائرية ، وأخذت تستعيد حيويتها مع كل جرعة. وبعد أن أمضت ساعة في تناول الكلأ المؤلف من البراعم الصغيرة للأشجار المحيطة بنا ، غادرت المكان وهي مفعمة بنفس النشاط الذي كانت عليه ساعة انطلاقنا من ساحل البحر. وعلى الرغم من حرارة النهار الشديدة ، وطبيعة الطريق الشاقة ، فقد يبدو غريبا أن هذه الحيوانات عانت كثيرا وهي تقطع مسافة لا تتجاوز الأربعين ميلا. على أي حال ، الإبل في جزيرة العرب تختلف من حيث قوتها وسرعتها على نحو أكثر مما يعتقده المرء. كانت الحيوانات التي نمتطيها خلال هذه الرحلة تشبه تلك التي انطلقت بها في رحلتي من (عدن) إلى (لجج) ، مثلما يشبه فرس صيد ماهر حصان عربة البريد في إنكلترا. وبينما كنا نزجي الوقت قرب هذه الآبار ، أتى أعرابي بعدد من الثيران لشرب الماء. كانت حدبة الثيران تشبه حدبة الثيران الهندية ، وكانت تشبهها أيضا في اللون والحجم وطريقة نمو القرون.
كانت أشجار العرق لا تعد ولا تحصى ، إلا أنها أطول وأكبر حجما ومن نوع يختلف عن مثيلتها الموجودة على ساحل البحر. كانت الإبل تأكل هذه الأشجار الموجودة هنا بنهم إلا أنها لا تأكل من تلك القريبة من الساحل إلا إذا عضّها الجوع. وتوجد هذه الأشجار في الجزيرة العربية والحبشة والنوبة وأماكن كثيرة على امتداد سواحل البحر الأحمر وساحل (سو قطرة) الجنوبي. وهي ذات ألياف خضر ذات رائحة زكية في بعض فصول السنة. ويصنع العرب المسواك من الأغصان الصغيرة الحجم ويبيعونها في مكة ومناطق أخرى من بلدان الشرق.
كما شاهدنا أيضا العديد من أشجار الطرفاء والصمغ التي تتداخل أغصانها مع غيرها من الأشجار النامية في هذه البقعة. وفي هذا الموسم تنمو لجميع هذه الأشجار البراعم والفروع الصغيرة. وهكذا ، فإن خضرة هذه الأشجار تمثل