الفصل الثالث
مطرح
الثالث والعشرون من نوفمبر / تشرين الثاني : بعد أن حصلت من صاحب السمو في هذا الصباح على أحد الضباط لمرافقتي ، انطلقت لزيارة ينابيع الإمام علي الحارة الواقعة قرب ساحل البحر على بعد سبع ساعات غربي المدينة. وعلى الرغم من أن فصل الشتاء قد تقدم كثيرا إلا أن النهار كان شديد الحرارة والرطوبة. وعند ما سرنا بقاربنا صوب (مطرح) كان المضيف هادئا جدا على الرغم من النسيم العليل الذي كان يهب خارجه وكانت الحرارة التي تهب من جهة الجبال وعلى امتداد قدماتها التي كنا نسير بمحاذاتها لا تطاق. في هذه الأثناء كان البحر أملس ، زجاجيا يعكس على سطحه التلال السود والقلاع البيض والبيوت والسفن على نحو جلي كأنه مرآة. ولم تكن هنالك إلا حركة صغيرة ، من الأمواج غير المتكسرة التي تنساب بكسل وبطء داخل المضيق ، تكفي لمساعدة الناظر في أن يقرر الأجسام الحقيقية أو الوهمية. كانت المدينة وسكانها تحت أشعة الشمس المتوهجة هادئة وساكنة. وربما كان في المستطاع مشاهدة قارب طويل ونحيل كأنه نقطة فوق السطح عند ما يتربع فوق قمة إحدى الموجات في حين يجلس صياد سمك وحيد قرب المقود سعيا وراء مهنته الانعزالية في حين يحوم من حوله وينقض في بعض الأحيان لمشاركته «غنائمه المحرشفة» طائر البحر الضاحك وهو يطلق صرخته المدوية الثاقبة التي يمكن معرفتها حتى ولو من على مسافة بعيدة والتي اكتسب كنيته منها.
وعند ما انحرفنا من حول الصخرة ، شاهدنا قاربا هادئا. وهنا سأقدم المشهد الذي بدا لي عند ما وضعت خطواتي فوق ظهر القارب بأمل الحصول على بعض الرسائل. ليتصور القارئ قاربا مشوها ضخما حمولته أربعمائة طن على الأقل له مقدمة بارزة طويلة ومقود مزخرف زخرفة دقيقة وسارية واحدة وشراع واحد طوله مائة وخمسين قدما ويحتوي على قماش من القنب أكثر بكثير من ذلك الموجود في بحرية صاحب الجلالة. يبدو القارب