الفصل الثامن
منح ونزوى
في الساعة الواحدة والنصف ، شاهدت من قمة مرتفعة الجبال المطلة على (صور) الواقعة إلى الشرق والجنوب. كان طريقنا إلى الغرب والجنوب حتى الآن ، ومن هنا فصاعدا بات يمتد إلى الشمال الغربي. كانت تمتد أمامنا تلال صغيرة كلسية ذات أشكال هرمية وسطوح جرداء ذات لون أسود تخلو من أي أثر للأدغال أو نباتات الصحراء. أما الوديان التي تتوسطها والسهول الواقعة بينها فكانت مرقشة بهضاب صغيرة معشوشبة وعند غروب الشمس دخلنا طريقا في غابة ، إلا أننا فقدناه بعد هبوط الظلام. ولكن الجمال اكتشفت الطريق ثانية على نحو غريزي ومن ثم بدت وكأن روحا جنونية استبدت بها. فرفعت أذيالها وأخذت تركض هنا وهناك ويصطدم أحدها بالآخر. وانتهى الأمر بأن فرّ جملان أو ثلاثة بعيدا وانقلبت الأمتعة من فوقها. بعد ذلك فكرت أنه من الأفضل التوقف. واكتشف البدو تجويفا فّضلوه على غيره من الأماكن لأنه يقيهم من الريح ويفيد في إخفاء النار التي يضرمونها. جمعنا إبلنا وأفرغنا عنها حمولتها لقضاء الليلة. كانت درجة حرارة المحرار تشير هذا المساء إلى ٥٦ فهرنهايت. ووجدنا أن النار ليست مريحة فحسب بل ضرورية أيضا. للبدو طريقة واحدة في النوم. فهم يخلعون ثيابهم ويحفرون حفرة في الرمال يرقدون فيها ويغطون أنفسهم بتلك الثياب وبكل ما يجدونه في متناولهم ، أما السيف والدرع والبندقية فتوضع إلى جانبهم على أهبة الاستعداد لاستعمالها.
على الرغم من أن هذا المكان بارد برودة المنطقة التي رحلنا عنها ، إلا أن الجو ليس صافيا ونقيا مثلها. إن الطقس في عمان (إنني استخدم هذه الكلمة بالمعنى الضيق الذي ألصقته به حتى على الخارطة) يعد طقسا غير مؤات للصحة في فصل البرد ، خاصة داخل الواحات. والبدو القادمون من الصحراء قلما يبقون ثلاثة أو أربعة أيام هنا دون الإصابة بحمى عنيفة وقد أكدت معاناتي التالية لسوء الحظ صدق رأيي. ويقال أن المناخ في