حيث نصبنا خيمتنا. كان زعماء هذه المنطقة في حالة خصام مع جيرانهم من أبناء قبيلة (بني غافر) الذين يملكون حصنا منيعا قريبا من البلدة ولا يعترفون بسلطة الأمام.
يعد (الغافريون) من أنبل القبائل في عمان ومنهم ومن اليعاربة كان ينتخب الإمام بصورة متعاقبة في أوقات مختلفة. أما قوتهم الآن فقد أصبحت محصورة على عدد من القلاع التي ينطلقون منها بين الفينة والفينة للإغارة على المناطق المجاورة وإزعاجها. وقد أخبرني شيخ (منح) أنه تعب من المشاحنات المتواصلة التي يقوم بها جيرانه الذين تصعب السيطرة عليهم ولذلك السبب فقد عمد قبل وقت قصير إلى تقويض قلعتهم التي لا تبعد إلا بضع ياردات خارج أسوار مدينته ، وإنه في حالة تكرار الاضطرابات سيقوم بتدميرها نهائيا. كان ينبغي لي ألا أصدق الحكاية كل التصديق بسبب أسلوبهم في الحرب. ولو لم يعرض عليّ أن يذهب بي إلى الموقع ، لكنت قد علمتهم كيفية وضع شحنة البارود وإشعال خيط البارود الموصل للنار وهو ما كانوا يخشونه أنفسهم ، لكنني بالطبع فضلت عدم التدخل.
إن بلدة (منح) قديمة ويقال إنها شيدت في فترة غزو (أنو شروان) ، إلا أنها أسوة ببقية البلدان لا تحمل من الآثار ما يدل على قدمها. فبيوتها مرتفعة ، لكنها لا تختلف عن البيوت التي وصفتها في (سمد) و (إبرا). وفيها برجان مربعان يبلغ ارتفاع كل واحد منهما حوالي مائة وسبعين قدم. ويقع هذان البرجان في مركز المدينة. ويبلغ عرض جدار القاعدة قدمين لا أكثر ، أما طول كل جانب فلا يتجاوز ثمان ياردات. وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار خشونة المواد المستعملة في البناء (التي هي عبارة عن حجارة غير مهندمة وإسمنت صلب على ما يبدو وخشن) فإن عدم تناسق الأبعاد ، ونقلها إلى الارتفاع الذي هم فيه عليه يعد أمرا مثيرا للدهشة. أما الحراس اليقظون دوما ، فإنهم يصعدون إلى أعلى بوساطة سلم بدائي يتكون من قضبان خشبية مثبتة بشكل مائل في إحدى الزوايا الجانبية داخل المبنى. الأراضي تمتد من حول هذه المدينة امتدادا مسطحا ومستويا ، والمشهد الذي في وسع المرء الحصول عليه من هذا الموقع العالي يساعدهم في ملاحظة اقتراب أي عدد من مسافة بعيدة. وعند ما قدمت للشيخ منظارا مكبرا (تلسكوب) ، تقبله بكل امتنان ، فهو ذو فائدة عظيمة لهم.