«سيادتك». أما ألقاب سيدنا ومولانا فتكاد تؤلف جزءا مهما من أحاديثهم. ابتليت الأمة بهذه الألقاب كما ابتليت بالتلقيب بالدين في القرن الخامس إلى القرون الأخيرة. وقد وصف ابن جبير مآتم أهل دمشق وجنائزهم في الدولة الصلاحية فقال : ونقباء الجنائز يرفعون أصواتهم بالنداء لكل واصل للعزاء من محتشمي البلدة وأعيانها ويحلونهم بخططهم الهائلة التي قد وضعوها لكل واحد منهم بالإضافة إلى الدين (١) فتسمع ما شئت من صدر الدين أو شمسه
__________________
(١) أول من لقب بالدين في الإسلام بهاء الدولة بن بويه ركن الدين وذلك في القرن الرابع للهجرة. وسرى هذا التلقيب إلى العلماء ثم سمت نفوس العامة إلى التلقب بالدين فأصبحت بعد القرن الخامس لا تسمع إلا ألقابا هائلة مضافة إلى الدين تساوى الناس في التمجد بها ولم تخل من التحلي بهذه الحلية سوى الأندلس لأن دولهم بقيت عربية الروح والجسم حتى في الأيام التي كان الحكم فيها للبربر. وقد حمل بعض العلماء قديما على هذه الألقاب المبتدعة لمخالفتها للشرع ولما فيها من تزكية النفس المنهي عنها. قال القلقشندي : وبقي الأمر على التلقيب بالإضافة إلى الدولة إلى أيام القادر بالله فافتتح التلقيب بالإضافة إلى الدين وكان أول من لقب بالإضافة إليه أبو نصر بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه زيد على لقبه بهاء الدولة «نظام الدين» فكان يقال «بهاء الدولة ونظام الدين». قال ابن حاجب النعمان : ثم تزايد التلقيب به وأفرط حتى دخل فيه الكتاب والجند والأعراب والأكراد وسائر من طلب وأراد وكره حتى صار لقبا على الأصل. ولا شك أنه في زماننا قد خرج عن الحد حتى تعاطاه أهل الأسواق ومن في معناهم ولم تصر به ميزة لكبير على صغير حتى قال قائلهم.
طلع الدين مستغيثا إلى الل |
|
ه وقال العباد قد ظلموني |
يتسمون بي وحقك لا أع |
|
رف منهم شخصا ولا يعرفوني |
وقال أبو الريحان البيروني : وبنو العباس لما لقبوا أعوانهم بالألقاب الكاذبة ، وسووا فيها بين الموالي والمعادي ، ونسبوهم إلى الدولة بأسرهم ضناعت دولتهم ، فإنهم أفرطوا في ذلك حتى احتيج للقائم بحضرتهم إلى فرق بينه وبين غيرهم فثنوا له التلقيب ورغب في مثل ذلك غيرهم ، وكان الراغب ينجح حاجته بالبذل ، وتنزاح علته بالأدلاء ، فاحتيج ثانيا إلى الفرق بين هؤلاء وبين المختص بحضرتهم ، فثلثوا له التلقيب وألحقوا به الشاهانشاهية. وبلغ الأمر غايته من التكليف والتثقيل ، حتى إن الذاكر يمل ذكرهم قبل أن يبتدئ به ، والكاتب يفني زمانا وأسطرا ، والخاطب لهم على خطر من فوت وقت الصلاة. قال : وكذلك وزراء الخلافة قد لقبوا بالأذواء كذي اليمينين وذي الرئاستين وذي الكفايتين وذي السيفين وذي القلمين وأمثال ذلك. وتشبه بهم آل بويه لما كانت الدولة منتقلة إليهم ، وبالغوا فيه واستغرقهم الكذب فسموا وزراءهم بكافي الكفاة ، والكافي الأوحد وأوحد الكفاة. ولم ترغب السامانية ولاة خراسان في هذه الألقاب بل اكتفوا بالتكنية. وكانوا يذكرون في حياتهم بالملك المؤيد والموفق والمنصور والمعظم والمنتصر ، وبعد ـ