قائمة الکتاب
رأي في الأخلاق الشامية
٣١٦
إعدادات
خطط الشام [ ج ٦ ]
خطط الشام [ ج ٦ ]
تحمیل
قانون وشريعة ، وهم متخاذلون متفاشلون لا يكاد واحد منهم يزكي أخاه ، ولا تجد خمسة منهم اتفقوا على مقصد واحد من مقاصد الخير. والعاقل يرجح الأمية على هذا العلم الذي لم ينتج خيرا لأهله ولا لغيرهم ، والأميون لا تصدر منهم هذه الجرأة على العبث بناموس الكمال. ومن تفلتوا من حدود الشرائع على قربهم منها ، كانوا أشد انتقاضا عليها من الجاهلين والغافلين.
وتتصرف على هذه الطبقة ، طبقة تلتحم بالخاصة أو العليا أيضا ، من جماعة المتعلمين على الأصول المدنية الحديثة ، فقد دب في بعض هذه الطبقة سوس الفساد ولما تزل في بدء تأسيسها ، وظهر لأرباب البصائر أن الدروس الطبيعية والرياضية والاجتماعية والفلسفية والحقوقية تنير العقل ، ولكنها لا تحسن الأخلاق ، إذا كانت منحطة من أصلها. وربما كان العلم في بعض هذه الطبقة أداة شر تستخدمه حبائل لصيد ما يسد المطامع. والأخلاق مغروسة في الدم والأسرة ، والعلم صناعة يتعلمه الذكي الدائب.
ولقد تلونت صبغة هذه الفئة في هذه الأرض الطيبة ، بألوان أهوية الأقاليم وجوائها ، بل بألوان المدارس التي تخرجت بأساتيذها ، فمن تعلم منها في مدارس التبشير التي أنعم بها أهل أوربة وأميركا على آسية وإفريقية ، جاءت إلا قليلا منحلة من ربقة حب الوطن وعهدة حب الجماعة ، واستحكمت في كثير من أفرادها الأنانية والأثرة استحكاما هوّن عليها كسر قيود الحكمة والخروج على الأدب الصحيح.
وقد اشتهر بعض هذه الطائفة بمعاداة الدينيين والأعيان ، والإزراء بسائر الطبقات وأكل الحسد والحقد قلوبها ، فهي لا تتحاب بينها ولا تحب غيرها ، ولا تعرف من محيطها أكثر مما يعرف الدخلاء : شمخت بأنوفها ، واحتقرت كل من لم يجر على مثالها ، ولا تثقف تثقيفها. ومنهم من دفعه ما لقفه من تربية وحصله من تعليم ناقص ، إلى خدمة الغريب ، والفناء في محبته والدهشة بكل ما يأتي على يده وقبول كل ما حمله من خلق وثقافة والتغني بتاريخه ومجده والتغزل بجمال بلده والإعجاب بأوضاعه ، أخذ كل ما أعطاه شاكرا مغتبطا ، فخرج بذلك عن قوميته. وكثير منهم هجر بلده ، إلى مكان ينبت بزعمه العز ويدر أخلاف الرزق.