بيوتهم للخمر والقمر أندية ومسارح ، وفطموا نفوسهم إلا عن إشباعها المال الحرام. وهم بأصحاب الملاعب أشبه منهم بالمتعلمين أصحاب المراتب ، وإذا دخل الغرّ حانتهم وفيها كل مفعول جائز هان عليه انتهاك الحرمات ، وإذا عاشرهم تعلم في بؤرتهم من التزوير والتغرير ما يعاب به الحيوان فضلا عن الإنسان.
ومنهم من ورثوا التذبذب من بيوتهم وأخذوا الدس والوقيعة بالسند المتصل بآبائهم ، وكان قصاراهم أن يحرزوا مناصب تمكنهم من المتاجرة بحقوق الناس ودمائهم ، ليتأثلوا وينفقوا في السفه ما تأثلوه ، فهم لا يستنكفون عن التقرب من أصحاب الشأن بكل ما لديهم من الوسائط ، ويبسمون لعامة أصناف الناس بل ويصانعونهم على حين تلعنهم قلوبهم ، وهم موقنون أن المصانع على الجملة يعرف كذب مصانعه ، ومع هذا يمضون في طريقهم وهم لا يحبون أحدا ولا يحبهم أحد. ونزع عقيدة عرفوا بها أمس ، لتقلد غيرها اليوم ، أسهل عليهم من نزع أحذيتهم وقمصانهم. قضوا أعمارهم في نصب الحيل والمكايد ، لا يلذهم من دنياهم غيرها ، وأكبر أفراحهم يوم يغشّون ويسري في الناس غشهم ، كأن المدرسة التي تعلموا فيها لم تعلمهم غير ذلك. ولكن هي الفطرة إذا فسدت فكل خير يأتيها يكون عارضا عليها ، تنبذه ولا تسيغه.
ومنهم أناس عرفوا منذ قبضوا على زمام أعمالهم بسلب نعمة الضعيف ومحاولة التقرب من القوي نبذتهم الطبيعة أولا ، ثم عمي الدهر عنهم فبلغوا مأربهم من المراتب ، ولم تسعهم جلودهم يوم شاهدوا العز بعد الذل ، فظهروا في مظاهر من الكبرياء والعظمة ، ومن أين للسافل بأصله أن يكون فرعه عاليا. حصروا همهم في العبث بالمصالح العامة ، فلا يفكرون بغير إملاء جيوبهم ، والدهان لساداتهم مهما كانوا ، وتوفير المنافع لمن يحف من حول عروشهم ، وإن كانوا من أحط الطبقات معرفة وأخلاقا. وقد رأينا من هذه الطائفة من يغير سيرته في السنة الواحدة مرتين ، ويدخل في آن واحد في عدة أحزاب وجمعيات سرية وجهرية ، ويقسم لكل واحد منها اليمين الغموس ، معاهدا كل طائفة على الإخلاص لطائفتها وحزبها وطريقتها دون غيرها ، وهو لا يتوقع من هذه المرونة المستغربة إلا أن يكون له شأن مع كل