حزب إذا كتب له الظهور ..
ومن هذه الفئة أناس لا يهنأ لهم بال إلا إذا اغتنوا ، فلما انتفخت صناديقهم بالورق والورق ، ضيقوا حتى على بنيهم وبناتهم لئلا يسرفوا في أموالهم ، فاضطروهم إلى ارتكاب كل شنعاء ، أما هم فعادوا يدعون الفاقة ، فتراهم لا ينفقون إلا ما يحفظ عليهم مظهرهم ، ويوصلهم إلى مراميهم ، كأن الدينار جعل للخزن فقط ، والسعيد من يجمعه ولو لم يستمتع به حياته ، ويخلفه لمن هم عليه أشد الأعداء ، يصرفونه في العهر والخمر والزمر والقمر. ولو أنصف هذا نفسه لأنفق بعض دخله على ما يرفع مستوى أمته ويزيل بؤسها ، وفي هذا ظهور له أيضا إن تاقت نفسه إلى الظهور.
ومنهم طائفة تصلي وتصوم ، وتلزم المساجد ودروس الوعظ ، وتتظاهر بالدين ، وتتقرب إلى حملة الشرع وأرباب الصلاح لا تفلت السبح من أيديها ، تتظاهر بأنها تذكر اسم الله في غدوها ورواحها ، وهي في باطنها من أشد الخلائق عداوة للإنسانية ، تقول بألسنتها ما ليس في قلوبها ، ولو كشفت عنها الغطاء لأيقنت أنها من الشفقة بحيث لو شاهدت صغارا يتضورون جوعا ما أطعمتهم فتات موائدها ، ولو بصرت ببائسين يرتعدون دنقا وعريا ما كستهم بلاس بلاطها ولا زودتهم حثالة مطابخها وأهرائها ، وإذا وقع لها أن أكرهت على نجدة بائس مؤوف تبجحت بما أتت ، وقامت تومئ بلسان الحال إلى أنه لولاها لانهار بناء الأمة وتداعت صروح مجدها ، وتوهم أن وجودها رحمة ، وعملها غبطة ونعمة ، ولها في نشر ما تتخيله محامد ، أساليب غريبة مضحكة.
ومنهم أناس إذا عرفتهم في العهد الماضي عرفتهم بعجمتهم التي لا غبار عليها ، وهم ما كانوا يجوزون لأنفسهم التكلم بلغتهم الأصلية ، فلما تبدلت السياسة تبدلوا لساعتهم ، وصاروا لغير ما سبب معقول حربا على من كانوا بالأمس يتمنون رضاهم ، وأخذوا أنفسهم وأبناءهم بتعلم لغة من جاءوهم ، وغيروا عاداتهم ولهجاتهم ، وأنشأوا يستخدمون كل الطرق للاحتفاظ بكراسيهم ، حتى إذا جلسوا عليها نسوا فضل المفضلين عليهم ، وقد عاهدوا أنفسهم أن يخدموا كل صاحب قوة بالصورة التي تروقه مع