البرد ، وشملتنا بالهواء المعتدل ، وأظلتنا برواقها المنسدل. بلد أعيان وصدور ، ومطلع نجوم وبدور ، وقلعة سامية الجلال ، مختّمة بالكواكب متوّجة بالهلال. حللناها في التبريز الحفيل ، والمشهد الجامع بين الذرة (١٤٧) والفيل ، حشر أهلها بين دان ونازح ، ومثل حاميتها من نابل ورامح ، فكان ذلك المجتمع عيدا ، وموسما سعيدا (١٤٨) ، وبتنا في ليلة للأنس جامعة ، ولداع السرور سامعة. حتى إذا الفجر تبلّج ، والصبح من باب المشرق تولّج ، سرنا وتوفيق الله قائد ، ولنا من عنايته صلة وعائد ، تتلقّى ركابنا الأفواج ، وتحيّينا الهضاب والفجاج إلى قتّوريه (١٤٩) ، (حرسها الله) (١٥٠) ، فناهيك من مرحلة قصيرة كأيام الوصال ، قريبة البكر من الآصال. كان المبيت بإزاء قلعتها السامية الارتفاع ، الشهيرة الامتناع ، وقد برز أهلها في العديد والعدّة ، والاحتفال الذي قدم به العهد على طول المدّة ، صفوفا بتلك البقعة ، خيلا ورجلا كشطرنج الرقعة ، لم يتخلّف ولد عن والد ، وركب قاضيها ابن أبي خالد (١٥١) ، وقد شهرته النزعة الحجازية ، ولبس من حسن الحجى زية (١٥٢) ، وأرمى من البياض طيلسانا وصبغ لحيته بالحناء والكتم ، ولاث عمامته واختتم ، والبداوة تسمه على الخرطوم ، وطبع الماء والهواء يقوده قود الجمل المخطوم ، فداعبته مداعبة الأديب للأديب ، وخيّرته بين خصلتي الذيب ، وقلت نظمت مقطوعتين إحداهما مدح والأخرى قدح ، فإن همت ديمتك وكرمت شيمتك فللذين أحسنوا الحسنى وإلا فالمثل الأدنى.
__________________
(١٤٧) الدره في (١)
(١٤٨) هذه العبارة زيادة عن (ب)
(١٤٩) كذا ، وترد أيضا باسم قنتوريه وهو الأصح ، واسمها حالياCantoria ، وتقع في جنوب برشانه وعلى نهر المنصورة أيضا
(١٥٠) زيادة عن (ب)
(١٥١) راجع ترجمته في (المقّري : نفح الطيب ج ٣ ، ص ٢٨٥ ـ ٢٧٨)
(١٥٢) في (ا ، ب) وفي مولر كتبت الحجازيه ، غير أن المعنى يستقيم كما كتبناها في المتن على أساس كلمتين. وكما كتبها ابن الخطيب نفسه في موضع آخر. راجع (نفاضة الجراب ورقة ١٨)