الذي كتبت يوحى إليّ كما يوحى إلى محمّد وخرج هاربا من المدينة إلى مكة مرتدّا ، فأهدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم دمه يوم الفتح ، فلما كان يومئذ ، جاء ابن أبي سرح إلى عثمان بن عفّان ، وكان أخاه من الرضاعة ، فقال : يا أخي إنّي والله اخترتك فاحتبسني (١) هاهنا ، واذهب إلى محمّد فكلّمه فيّ ، فإنّ محمّدا إن رآني ضرب الذي فيه عيناي ، إنّ جرمي أعظم الجرم ، وقد جئت تائبا ، فقال عثمان : بل اذهب معي ، قال عبد الله : والله لئن رآني ليضربنّ عنقي ولا يناظرني ، قد أهدر دمي ، وأصحابه يطلبوني في كل موضع ، فقال عثمان : انطلق معي ، فلا يقتلك إن شاء الله ، فلم يرع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا بعثمان آخذا (٢) بيد عبد الله بن سعد بن أبي سرح واقفين بين يديه ، فأقبل عثمان على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إنّ أمّه كانت تحملني وتمشيه وترضعني وتفطمه (٣) ، وكانت تلطفني وتتركه ، فهبه لي.
فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجعل عثمان كلّما أعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم بوجهه استقبله فيعيد عليه هذا الكلام ، وإنّما أعرض النبي صلىاللهعليهوسلم إرادة أن يقوم رجل فيضرب عنقه لأنه لم يؤمّنه ، فلما رأى أن لا يقوم (٤) أحد وعثمان قد أكبّ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقبّل رأسه وهو يقول : يا رسول الله تبايعه فداك أبي وأمي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نعم» ، ثم التفت إلى أصحابه فقال : «ما منعكم أن يقوم رجل منكم إلى هذا الكلب فيقتله» أو قال : «الفاسق» ، فقال عبّاد بن بشر : ألا أومأت إليّ يا رسول الله؟ فو الذي بعثك بالحق إنّي لأتبع طرفك من كل ناحية رجاء أن تشير إليّ فأضرب عنقه ، ويقال : قال هذا : أبو اليسر ، ويقال عمر بن الخطاب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لا أقتل بالإشارة» ، وقائل يقول : إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال يومئذ : «إن النبي لا يكون له خائنة (٥) الأعين» ، فبايعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فجعل يفرّ من رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلّما رآه ، فقال عثمان : يا رسول الله بأبي وأمي لو ترى ابن أم عبد الله يفرّ منك كلما رآك ، فتبسّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «أولم أبايعه وأؤمنه؟» ، قال :
__________________
(١) إعجامها مضطرب بالأصل والمثبت عن م ومغازي الواقدي.
(٢) في مغازي الواقدي : أخذ.
(٣) في المغازي : وتقطعه.
(٤) في المغازي : يقدم.
(٥) أي يضمر في نفسه غير ما يظهره ، فإذا كف لسانه وأومأ بعينه فقد خان ، وإذا كان ظهور تلك الحالة من قبل العين ، سميت خائنة الأعين (النهاية).