الكوفة تبعا لصفة عقلية تختلف عن البصرة التي كانت تلك العناصر فيها قليلة متراخية ومع ما نلاحظ من القابلية الخاصة للعناصر الجنوبية (١) في التمدن والتحضر وتأسيس الثقافة الإسلامية في سورية ومصر والأندلس إلا أنها ظهرت في الكوفة بأبهى معالمها ورب معترض يقول : بأن البصرة كانت إحدى منابع هذه الثقافة فنجيبه قائلين : بأن الكوفة هي التي كانت سببا لتلك الحركة ولم تكن البصرة سوى مقتبسة منها ولو أن انضمام بنو عبد القيس مع الحمراء (حلفاؤهم الفرس) في البصرة قد سهل تعريب المفردات الفارسية كما حدث في الكوفة إلا أن البصرة لم تكن حاوية على تلك المادة الموجدة للتصور والابتكار المختصة بتلك الجماعات العربية الجنوبية (أهل اليمن) التي كانت في الكوفة متفرقة على غيرها ومن هنا نستطيع أن نستنتج الاتجاهات المتباينة للمذهبين الكلاسيكيين الكوفي والبصري فالمزية الخاصة للمذهب الكوفي هي الإبداع في التصور في كافة الأدوار الثقافية العربية.
ففي الكتابة قد تطور الخط الكوفي (الليتروجي) المأخوذ من المصاحف القديمة وفي الصرف والنحو والقراءات (وكان ثلاثة من مجموع أربعة قراء من أهل الكوفة وواحد بصري) فالمذهب الكوفي يبحث عن أوضاع الشواذ.
__________________
(١) ولقد ذكر لي الأستاذ فؤاد بك كوپورلو بالأستانة بأنه قد توصل إلى نفس التحقيق في تجمع الأتراك بالأناضول وكيفية تحضرهم حيث الفضل في ذلك يرجع إلى العناصر التي كانت لها حضارة في تركستان قبل نزوحها إلى الأناضول.