وقوة الايمان والثبات وحيدة ، وهي في الفصاحة والبلاغة كأنها تفرغ عن امير المؤمنين كما لا يخفى على من أنعم النظر في خطبتها ، ولو قلنا بعصمتها لم يكن لاحد أن ينكر إن كان عارفاً باحوالها في الطف وما بعده ، كيف ولولا ذلك لما حمّلها الحسين مقداراً من ثقل الإمامة أيام مرض السجاد ، وما أوصى اليها بجملة من وصاياه ، ولما أنابها السجاد عليه السلام نيابة خاصة في بيان الاحكام وجملة اخرى من آثار الولاية . . . الى ان قال . . وعمرها حين توفيت دون الستين .
وقال الطبرسي : إنها روت اخباراً كثيرة عن امها الزهراء ، وروى أنها كانت شديدة المحبة بالنسبة الى الحسين من صغرها ، اقول كأن وحدة الهدف ونُبْل الغاية والمقصد وكبر النفس جعلت منهما أليفين عظيمين لذلك شاطرته النهضة وشاركته في ثورته المباركة ، وعندما دخلت الكوفة ورأت تلك الجماهير كالسيل يدفع بعضها البعض واذا بابنة علي بمجرد أن أومأت الى الناس أن اسكتوا ، ارتدّت الانفاس وسكنت الاجراس .
توافرت الروايات عن حذلم بن كثير ، قال : قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى وستين عند منصرف علي بن الحسين والسبايا من كربلاء ومعهم الاجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر اليهم فلما اقبل بهم على الجمال بغير وطاء خرجن النسوة اهل الكوفة يبكين وينشدن .
وذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين ) عن خزيمة الاسدي قال : ورأيت نساء اهل الكوفة يومئذ قياماً يندبن مهنكات الجيوب . قال حذلم بن كثير : فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضعيف ـ وقد انهكته العلة ، والجامعة في عنقه : إن هؤلاء النسوة يبكين إذن فمن قتلنا .