قال : ورأيت زينب بنت علي ولم أر خفِرةً أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان امير المؤمنين . قال : وقد أومأت الى الناس أن اسكتوا . فارتدت الانفاس وسكنت الاصوات فقالت :
الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الاخيار ، اما بعد يا اهل الكوفة يا اهل الختر والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا ، تتخذون ايمانكم دخلا بينكم ، الا وهل فيكم الا الصلف والنطف (١) والكذب والشنف (٢) وملق الاماء وغمز الاعداء أو كمرعى على دمنة (٣) او كقصة (٤) على ملحودة ، ألا ساء ما قدّمت لكم انفسكم سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون اي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم . ومنار محجتكم . وقدرة سنتكم ، ألا ساء ما تزرون وبُعْداً لكم وسحقا . فلقد خاب السعي وتبّت الايدي ، وخسرت الصفقة وبؤتم بغضبٍ من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة . ويلكم يا اهل الكوفة أتدرون أيَّ كبدٍ لرسول الله فريتم . وأيّ كريمة له أبرزتم ، وأيَّ دم له سفكتم ، وأيَّ حرمة له انتهكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء (٥) عنقاء ، سوداء ، فقماء ، خرقاء
__________
(١) الصلف : الادعاء تكبراً ، والنطف : التلطخ بالعيب .
(٢) الشنف بالتحريك : البغض والتنكر .
(٣) الدمنة : المكان الذي تدمن به الابل والغنم فيكثر البول والبعر .
(٤) القصة بالفتح : بناية مجصصة على القبر .
(٥) الصلعاء : الداهية وما بعد صفات له بالقبح والشدة .