اتفق المخالف والمؤالف على فضل هذا الإمام ، وفي كتب مناقب أهل البيت التي الّفها علماء الفريقين الشيء الكثير من فضائله ، ولقد قال سعيد ابن المسيب من التابعين في جواب قرشي سأله عنه حين دخل عليه : هذا الذي لا يسع مسلماً أن يجهله هذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . وقال الزهري : ما رأيت قرشياً افضل منه . وقال ابن خلكان : وهو احد الأئمة الاثنى عشر ومن سادات التابعين ، وكان يصلي في اليوم والليلة الف ركعة ، وهذا مبلغ اجتهاده في العبادة . وأما مقاماته في الزهد والعزوف عن الدنيا والحلم والعلم والبلاغة وحسبه ما أثر عنه فيها من صحيفته التي هي فرقان العابدين والمعجزة الخالدة من معجزات البيان وهي تتلى في المحاريب ومواطن الذكر والفكر كما تتلى آيات القرآن فهي مقامات لم يضارعه بها احد من أهل عصره وما كان محله منها إلا كمحل آبائه المعصومين وسبيله سبيلهم ولا غرو فانه فرع من تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء .
واما جلالة قدره ومبلغ هيبته في النفوس فينبئك عنها ما رواه غير واحد من رواة السنة والشيعة متواتراً واليك حديثه وهو ان هشام بن عبد الملك بن مروان لما حج وطاف بالبيت أراد ان يستلم الحجر فلم يقدر لكثرة ازدحام الناس عليه فنصب له منبر وجلس عليه ، وكان معه رؤساء أهل الشام وبينما هو ينظر إلى الناس وإذا بعلي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب سلام الله عليه قد اقبل وهو أحسن الناس وجهاً ، واطيبهم أرجا ، والطفهم شمائلا فطاف بالبيت فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من اهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فقال هشام وقد اغتاظ من إجلال الشعب غيره لا أعرفه فقام الفرزدق ـ (١) وقال لكني اعرفه :
__________
(١) الفرزدق من أفخر
شعراء عصره واجزلهم لفظاً ، وامتنهم مدحاً