قال لا ، قال اما تريد ان تسقيه ، قال فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال ، وكره ان اراه حين يصنع ذلك فيخاف ان ارفعه عليه ، فقلت انا منطلق فساقيه ، قال : فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه ، قال : فأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن اوس الرياحي ، ما تريد يا بن يزيد ، اتريد أن تحمل ، فسكت وأخذه مثل العروآء (١) : فقال له يا بن يزيد ، ان أمرك لمريب وما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة رجلاً ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، قال اني والله اخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ، ولو قطعت وحرقت . ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين ، فلما دنا منهم ، قلب ترسه فتالوا مستأمن ، حتى اذا عرفوه ، سلم على الحسين ، وقال جعلني الله فداك يابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان . والله الذي لا اله إلا هو ، ما ظننت ان القوم يردون عليك ما عرضت عليهم ابدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي لا ابالي ان اصانع القوم في بعض أمرهم ولا يظنون اني خرجت من طاعتهم واما هم فسيقبلون من الحسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله اني لو ظننتهم لا يقبلونها منك ، ما ركبتها منك واني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربى ، ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، افترى لي توبة ، قال نعم ، يتوب الله عليك ويغفر لك ، فانزل . قال : انا لك فارساً خير منى راجلا . اقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري ، قال فاصنع ما بدا لك ، فاستقدم امام اصحابه ، ثم قال ايها القوم اما تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم ،
__________
(١) العروآء بالعين المضمونة والراء المهملة المفتوحة : قوة الحمى ورعدتها