خاتمة الكتاب
وهذا آخر ما انتهى إليه القلم في الموضوع ، ولم يصل إليه إلّا بعد الحران (١) ، وصوارف الاقتران ، وذلك أنّني لمّا خرجت عن سيئون (٢) .. عرض ما يوجب تصنيف «السّيف الحادّ لقطع الإلحاد» (٣) ، ثمّ لمّا قاربت الحسيّسة .. نجم ما يقتضي تأليف «نسيم حاجر في تأييد قولي عن مذهب المهاجر» ، وبإثره انفسخت العزيمة ، وضعفت الهمّة ، حتّى عالجتها بمثل قول أبي الطّيّب [في «العكبريّ» ٤ / ١٤٥ من الوافر] :
ولم أر في عيوب النّاس عيبا |
|
كنقص القادرين على التّمام |
فانبعثت ثالثة ، لكن بخطا قصيرة ، وصدر ضيّق ، مع أنّ الموضوع ليس من فنّي (٤) ، ولا يليق بسنّي ، وإنّما كان الأحرى هو الإقبال على الدّار الأخرى ، وأستقيل الله من العثار ، ومن غثاء الإكثار ، وقد قالوا : إنّ أعراض الخلق حفرة من حفر النّيران ، وقف على شفيرها القضاة والمحدّثون ، وأهل التّاريخ فيهم يدخلون.
وأنا في المدح أخوف منّي في القدح ؛ إذ قرّرت في «بلابل التّغريد» أن لا غيبة لفاسق مطلقا ؛ فكيف بها للمصلحة؟
فإنّي لأرجو أن أنال بذمّهم |
|
من الله أجرا مثل أجر المرابط (٥) |
وقد صرّحوا بجواز الغيبة للتّحذير من الشّرّ كجرح الشّهود والرّواة.
وقاعدة : (ما جاز بعد امتناعه) تقتضي الوجوب.
__________________
(١) الحران : الشدة.
(٢) أي : عقب الانتهاء من تدوين ما يتعلق بها.
(٣) ألفه في الرد على كتاب «وحدة الأديان» للصّافي ، طبع بعدن سنة (١٣٦٧ ه).
(٤) هذا من هضم النفس وكسرها ، وإلا .. فمن لهذا الفن الذي لم يدع فيه رحمه الله شاذة ولا فاذة إلا وأوردها ، ولا فائدة وحسن عائدة إلا واقتادها .. سواه ، ولكنه اعتذر بما يأتي .. فأبان عن حسن اعتذاره.
(٥) البيت من الطويل ، وهو لبشار بن برد في «ديوانه» (١٨٥).