ومنه تعرف أنّه عربيّ فصيح ، لم تتصرّف فيه العامّة على ممرّ السّنين إلّا بالشّيء اليسير.
وكانت المكلّا خيصة (١) صغيرة لبني حسن والعكابرة (٢) ، وملجأ تعوذ به سفائن أهل الشّحر ، والواردين إليه من الآفاق عندما يهتاج البحر في أيّام الخريف ؛ لتأمن به من عواصف الرّياح ؛ لأنّه مصون بالجبال ، بخلاف ساحل الشّحر .. فإنّه مكشوف.
وقد اتّخذ الصّيّادون به أكواخا ، ففرضت عليهم العكابرة ضريبة خفيفة إزاء استيطانهم بها ؛ لأنّها من حدود أرضهم ، ثمّ ازدادت الأكواخ ، واستوطنها كثير من العكابرة أنفسهم وناس من أهل روكب.
ويقال : إنّ آل الجديانيّ ـ وهم من يافع ـ مرّوا بها في أواخر سنة (٩٨٠ ه) مجتازين ، فأعجبتهم ، فاستوطنوها ، وصار أمر أهل تلك الخيصة إلى رئيسهم يشاورونه في أمورهم حتّى صار أميرا عليهم.
وكان كبير آل كساد ـ واسمه : سالم ـ موجودا بالمكلّا إذ ذاك ، فاغتال الجديانيّ واستقلّ بأمر المكلّا.
ثمّ جاء سالم بن أحمد بن بحجم الكساديّ ومعه ولده صلاح وأخوه مقبل ، فاغتالوا سالم الكساديّ في البير المعروفة إلى اليوم ببير بشهر ، واستولى سالم بن أحمد بن بحجم على البلاد ، وحكمها سنة ثمّ مات ، وخلفه عليها ابنه صلاح ثمّ مات ، وله ثلاثة أولاد : عبد الرّبّ ، وعبد الحبيب ، وعبد النّبيّ.
وكان النّفوذ لعبد الحبيب ؛ لأنّه الأكبر ، ولمّا مات .. خلفه عليها أخوه عبد الرّبّ ، وبقي يحكم المكلّا إلى أن توفّي في سنة (١١٤٢ ه) ، وخلفه عليها ابنه صلاح ، فأخذ محمّد بن عبد الحبيب ينازعه حتّى اتّفقوا على تحكيم صاحب عدن ، فركبوا إليها ، فقضى بها لمحمّد بن عبد الحبيب.
__________________
(١) والخيصة عند أهل السّاحل الحضرميّ هي الفرضة ؛ أي : الميناء الصغير.
(٢) بنو حسن : قبيلة من سيبان ، يسكنون الجبال القريبة من ساحل البحر ، ومنهم : آل باخميس ، وآل باضمن ، وآل بارعيدة ، وآل باحاج. «أدوار التّاريخ الحضرميّ» (ص ٣٥٨). نقلا عن «الشّامل».