فلم يزل يخاطب رؤساء العشائر ، ويعمل أعمالا لا تنطبق مع المنطق ، وكان ذلك إثر مرض لم يزل يتزايد به حتّى توفّي وهو مشمول بإكرام الحكومة السّعوديّة وسماحها.
فمن حين فتح آل الدّبّاغ المدارس .. بدأت المعارف تتقدّم بخطى قصيرة ، حتّى لقد عنيت مدارس المكلّا بما ذكرته في مقدّمة كتابي «النّجم المضيّ في نقد عبقريّة الرّضيّ».
إلّا أنّ السّلطان الحاليّ (١) لمّا كان من جملة العلماء .. أخذ يناصر المدارس ، وأغدق عليها الأموال ، حتّى لقد قيل لي : إنّ ما ينفقه عليها سنويّا أكثر من ثلاث مئة ألف ربيّة ، عبارة عمّا يقارب ربع إيراد المكلّا. وقد استجلب لها ناظرا (٢) خبيرا محنّكا من السّودان ، هو الفاضل الشّيخ سعيد القدال (٣) ، فأدارها أحسن إدارة ، وظهر الأثر وينع الثّمر. فالمكلّا بل وسائر الموانىء اليوم في المعارف غيرها بالأمس.
إلّا أنّني اقترحت على السّلطان يوم كان بمنزلي في سنة (١٣٦٥ ه) أن يهتمّ بإيجاد
__________________
(١) وهو السّلطان العالم الفقيه صالح بن غالب بن عوض القعيطيّ ، المتوفّي سنة (١٣٧٥ ه).
(٢) النّاظر : لغة : الّذي يحفظ الشّيء ، وفي الاصطلاح : وظيفة استحدثت في العصر الأيوبيّ ، واستمرّت بالّذي بعده ، عدّ صاحبها من أرباب الوظائف الدّينيّة ، والنّظّار وفق هذا المعنى كثيرون ، منهم : ناظر الأشراف : وهو عادة ممّن ينتهي نسبه بأهل البيت ، وإليه رئاسة الأشراف. ناظر الحسبة : مهمّته التّحدّث عن أرباب المعاش ، كبيرا أو صغيرا. ناظر الأحباس : مهمّته النّظر بشؤون الأوقاف. وغير ذلك من المسائل الأخرى. ثمّ تطوّر هذا الاصطلاح ليصبح في العصر العثمانيّ إلى زمن المؤلف منسوبا إلى (نظارة) بمعنى (وزارة). والله أعلم.
(٣) اسمه : القدّال سعيد القدّال ، ولد بالسّودان سنة (١٣٢٣ ه) ، كان قدومه إلى المكلّا سنة (١٣٥٩) أو (١٣٦٠ ه) ، مشرفا على معارف الدولة بالمكلّا ، بإيعاز من المستر انجرامس ، وأوّل عمل قام به القدّال هو تأسيس (مكتب إدارة المعارف) ، الّذي عرف فيما بعد ب (نظارة المعارف) ، وعين فيه النّاخبيّ وباعنقود ، وغيرهما ، ثمّ صار القدّال ناظرا لعموم معارف الدّولة ، ثمّ رقّاه السّلطان إلى مرتبة سكرتير الدّولة .. فضجّ عليه الشّعب ، وصار من جرّاء ذلك : (حادثة القصر) الشهيرة سنة (١٣٧٠ ه). ثمّ غادر القدّال البلاد عقب وفاة السّلطان صالح .. وتوفّي في السّودان سنة (١٣٩٥ ه).
كتب عنه كتابا كاملا ابنه د. محمد سعيد ، الأستاذ بجامعة عدن ، صدر من سنوات عن جامعة عدن.