وقد تجدّدت بينه وبين الحكومة البريطانيّة معاهدة في الأخير ـ لعلّها في سنة (١٣٥٨ ه) (١) ـ قبل فيها أن يكون له مستشار إنكليزيّ ، وعذره فيما يظهر : أنّ بعض آل حضرموت أكثروا الزّراية على وزارته ، وتمضّغوها في الجرائد بحقّ وبغير حقّ ، وأغدقوا العرائض في ذلك على دار الاعتماد بعدن (٢) ، وعند ما أحسّ بالإصغاء إليها مع تردّد رجال الحكومة الإنكليزيّة إلى حضرموت ونزولهم على الرّحب والسّعة بأكثر ممّا يوافق هواهم ، ويملأ رضاهم ، ويوطّىء لهم المناكب ، ويفتح لهم الأبواب .. لم يسعه ـ مع ما عرفه من الأحابيل المنصوبة له ولولده من بعده ، مع حرصه على توثيق الأمر له ـ إلّا أن يقول بلسان حاله : (إذا سعيتم في موالاة الحكومة الإنكليزيّة
__________________
وكان عرضة ذلك نفاسة وتحقيقا وعذوبة عبارة) اه.
٢ ـ «الآيات البيّنات على وجود خالق الكائنات» ، مطبوع أيضا ، قال عنه في «بضائع التابوت» : (وقد أطلعني عليه فألقيت فيه نظرة عجلى ؛ إذ كنت على وفاز ـ عجلة ـ فإذا به كتاب جليل القدر ، يصف نفسه بنفسه ، ويكلّ لسان الثّناء عن استقصاء وصفه ، ولو لم يكن له إلّا سواه .. لأبقى له الشّرف الخالد ، والمجد التّالد ؛ إذ العلم أشرف من الملك) اه.
وممّا لم يطّلع عليه من مؤلّفاته الأخرى :
٣ ـ «الرّحلة السّلطانيّة إلى دوعن» ، وفيها من عجائب الأفكار ، وبدائع النّقول عن الكون والإعجاز والاختراعات الحديثة ما يدهش المطالع ، توجد منها نسخة بمكتبة الأحقاف بتريم مزودة بالصّور الفوتوغرافية الملوّنة ، وطبعها بعض الناس من أهل المكلا في سنغافورة في حياة السلطان ، بدون الصور.
٤ ـ مبحث في التّعبّد بخبر الآحاد. رسالة لطيفة ، أوجب فيها التّعبّد بخبر الآحاد .. ولعلّه أبعد النّجعة فيه.
٥ ـ تفسير لكلمات القرآن بالأردو ، لم يطبع ، وغيرها.
(١) كانت معاهدة الاستشارة بالتّحديد في (١٣) أغسطس (١٩٣٧ م) ، الموافق لعام (١٣٥٦ ه).
(٢) يقول الشيخ عبد الله الناخبي : إنّ هذه العرائض ـ الّتي أشار إليها المصنّف رحمه الله ـ إنّما استكتبها (انجرامس) ، ذلك السّياسيّ الدّاهية قبل أن يأتي إلى المكلّا مستشارا مقيما ؛ إذ إنّه كان يتردّد على حضرموت كسائح ، وقدمها نحوا من (٣) مرّات ، جاب خلالها البلاد ، وسبر أخلاق العباد ، وكان يجس نبض زعماء قبائل حضرموت وقادتها حول السّلاطين القعيطيين وربما استثار أحقادهم عليهم ، واستكتبهم عن السّلطان صالح ، وسجّل شهاداتهم تلك في وثائق سرّيّة أخذها معه وسلّمها إلى والي عدن الحاكم البريطانيّ ، وكلّما استجدّ شيء .. بعث به إليه ، وكانت هذه العرائض من وسائل الضّغط على السّلطان في قبول المستشار.