ثمّ قشن (١) ، وهي مدينة لا بأس بها ، يسكنها آل عفرار (٢) ، بيت سلطنة المهرة ، وهي قاعدة ملكهم في البلاد العربيّة ، ولا يزيد عددهم عن ثلاثين رجلا.
وفي قشن ناس من آل باعبده منسوبون إلى العلم ، يتوارث القضاء فيهم ، والقاضي فيهم لهذا العهد (٣) هو : الشّيخ امبارك بن سعيد باعبده ، وهو كسلفه لا يحتاج في تنفيذ أحكامه إلى أوامر سلطانيّة ، بل يتلقّاها النّاس بالقبول ، ويخضعون لها بهيبة الدّين وسلطانه على النّفوس ، وأكثر أحكامهم الإصلاح. وبهذا ذكرت ما كان في أيّام الأجداد ، وما كان يمثّله من أحوالهم في القضاء شيخنا الوالد علويّ بن عبد الرّحمن السّقّاف ؛ فإنّه لم يكن يستمدّ نفوذه من السّلطان ، وإنّما يستمدّه من صولة الحقّ ومهابة الدّيانة (٤).
ومن وراء قشن : صقر. ثمّ حصويل ، ثمّ رأس الفرتك ، ثمّ خيصيت ، ثمّ نشطوت ، ثمّ خلفوت ، ثمّ ضبوت ، ثمّ هروت. ثمّ محيفيف ، وهي : مرسى الغيضة الّذي كان بها مدفن المنصب السّيّد سالم بن أحمد (٥) ، وسيأتي في عينات ذكر سبب نجوعه إليها منها وما يتعلّق بذلك ، ولا يزال بها جماعة من أعقابه.
منهم : منصبها الآن : السّيّد عليّ بن أحمد.
ومنهم : المعمّر السّيّد عيدروس بن محسن ، توفّي بشعبان من سنة (١٣٦٦ ه) عن نحو من تسعين عاما.
__________________
(١) مدينة ساحلية في بلاد المهرة ، تقع في شمال شرق سيحوت ، يتكون خليجها من رأسين بارزين إلى البحر ، هما : رأس شروين ، ورأس درجة ، بينهما حوالي (١٩ كم). ويقع أحسن مكان لرسوّ السفن عند بندر لسك ، غربيّ قشن ، حيث تحتمي السفن من الرياح الجنوبية الغربية.
(٢) وقد تمال فيقال : عفرير.
(٣) أي : عهد المصنّف ، أواسط القرن الرّابع عشر الهجريّ.
(٤) آل باعبدة : أسرة معروفة بالعلم كما ذكر المصنّف ، ومنهم جماعة وفدوا على رباط تريم للأخذ عن الحبيب عبد الله الشّاطريّ ، ولا زال منهم قضاة ونوّاب عقود في قشن إلى اليوم.
(٥) سالم بن أحمد بن الحسين ابن الشّيخ أبي بكر بن سالم ، كان سيّدا فاضلا ، ذا جاه وحشمة توفّي بالغيضة سنة (١٠٨٧ ه) ، ويعرف عند النّسّابة وأصحاب الطّبقات العلويّة بسالم المهاجر.