يضرّه فيما يقولون ، وإنّما ينتفع به الّذي يألفه. وحيثما يجري ذلك الماء .. يكون الجوّ رديئا موبوءا ، يغلب على أهله الضعف وانتفاخ البطون وقصر الأعمار ، وقلّ من يبيت به ليلتين من غير أهله .. إلّا أصابته الحمّى ، ثمّ منهم من يسلم ، ومنهم من يذهب لما به.
وأهل النّخل به من غيره يبادرون بجذّ خريفهم وتحميله ، تفاديا عن البيات ؛ خوفا من أمّ ملدم.
ومن أخبار العوابثة الظّريفة : أنّ بعضهم أخفرت ذمّته ، فلم يقدر على جلاء العار وغسله عن وجهه ، وكان بينهم شاعر من الحاكة ، لا يشهد زفافا ولا غيره من احتفالات الأفراح .. إلّا غمزة بشيء من الكلام ، حتّى لقد توعّدوه بقطع لسانه إن بقي يعيّره ، ولكنّه لم يصبر ؛ ففي احتفال بفرح عندهم قال :
لا الحول حولي ولا لي من قدا الحول حول |
|
لو شفت غربان سودا قلت ذولاك عول |
ومعناها : إنّني لا أقدر على تعيير صاحب الوجه الأسود ، بل أقول : إنّه أبيض.
فأعادوا عليه الوعيد والتّهديد ، وكادوا يسطون به ، ولكنّه لم يصبر ، فعاد مرّة أخرى يقول في احتفال :
والله لا ثوّر النّائم إلمّا المقيل |
|
وان لا كفت فوقه الشّقّه طرحنا المكيل |
وأهل بلادنا يعرفون مغزى هذا الكلام .. فلا حاجة إلى الشّرح.
فلم يكن من العوابثة إلّا أن عيّروا صاحبهم وكان مثريا ، فحمل ولده على ركوب اللّيل ، واستأجر معه جماعة من أهل النّجدة ، فذهبوا إلى مكان المطلوب ، وكان آمنا ؛ لبعدهم ، ولما يعرفه من حال طالبه ، وأنه كما قال جرير [في «ديوانه» ٢٧٢ من الكامل] :
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا |
|
أبشر بطول سلامة يا مربع |
فلم يكن من الجماعة إلّا أن أمسكوه وكلّفوا الولد أن يطعنه ، فما كاد يفعل إلّا بعد أمر ما ، وعندما انتهى من العمل .. خرق وعقر ، فاحتملوه حتّى أوصلوه إلى أبيه في