الرّجال بمثل ذلك ، أمّا النّساء .. فلا ، ولهذا استحسنوا من فاطمة بنت الأحجم أن قالت بعدما لان جانبها ، وغاب ناصرها :
قد كنت لي جبلا ألوذ بظلّه |
|
فتركتني أمشي بأجرد ضاحي |
قد كنت ذات حميّة ما عشت لي |
|
أمشي البراح وكنت أنت جناحي |
فاليوم أخضع للذّليل وأتّقي |
|
منه وأدفع ظالمي بالرّاح |
وبها تمثّلت سيّدتنا فاطمة ـ رضوان الله عليها ـ بعد وفاة أبيها صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فميل بين ما يكون من أحكام العصور الأولى ، وما سمعت عن نهد ـ وما بالعهد من قدم ـ وبين ما يكون من قضاة المحاكم اليوم .. ينكسر ذرعك ويتبادر دمعك ؛ إذ يكون غدوّ الدّعوى شهرا ورواحها مثله ، بلا دليل من فقه ، ولا مبرّر من شرع ، ولكنّها الأغراض المخلّة ، والجهالة المضلّة ، ولا ينكر اندفاع النّقض عن أحكام نهد لذلك العهد مع عدم الرّويّة ؛ لأنّ الحقّ مثل الصّدق أبلج ؛ والصّادق لا يحتاج إلى تفكّر ولا إلى تذكّر ، وكذلك العادل لا يطيف بحكمه إلّا التّمحّل الّذي لا ينفق عند أهل الإنصاف ، ولقد كانت الأحكام مثلما قال الأعشى [في «ديوانه» ٢٩١ من الطّويل] :
تعالوا فإنّ الحكم عند ذوي النّهى |
|
من النّاس كالبلقاء باد حجولها (١) |
ولقد شهدت اجتماع الحموم بالشّحر في سنة (١٣٣٣ ه) متنازعين في كثير من القضايا المهمّة الّتي حار فيها السّيّد حسين بن حامد ، فقال له حبريش : ردّها إليّ وأنا أحكم فيها على شرطين :
أحدهما : أن تجعل لي ألف ريال.
والثّاني : أن أضع أنا ألف ريال ، فإن نقض حكمي شرع أو عرف .. كنت في حلّ من ألفي.
فامتدّ عنقي لذلك البدويّ الّذي لم أعرفه من قبل ، وأكبرت تحدّيه للشّرع ، وقلت
__________________
(١) البلقاء : الفرس الّتي في لونها بياض وسواد. الحجل : البياض في قوائم الفرس.