وقد بناها آل جميل السّعديّون بمساعدة آل يمانيّ وآل أحمد والصّبرات ، وآل ثعلب ، وصاحب مريمه ، وبعض آل كثير ، وكان هؤلاء اتّفقوا في سنة (٨٤٥ ه) للقضاء على الدّولة الكثيريّة ، وحاصروا الحصن الّذي بنته في الغرفة شهرين ، فانتهز تلك الفرصة آل جميل وابتنوا قرية جفل بمساعدة أولئك (١) ، وكان ذلك في أيّام السّلطان عبد الله بن عليّ الكثيريّ (٢) ، المتوفّى سنة (٨٥٠ ه).
وقال الشّيخ محمّد بن عمر باجمال في كتابه «مقال النّاصحين» : (حكي أنّ السّلطان عبد الله بن عليّ حاصر بني سعد بقرية جفل في رمضان ، فناداه أحدهم وقال له : أهذه صدقتك؟! ، فارتحل عنهم.
ويحكى : أنّه أهدى فرسا لفاضل بالكروس السّعدي ، ولما أراد اللّحوق بأصحابه وهم حرب للسّلطان .. ردّ فرسه ، وقال : حاشا لله أن أستعين عليه بفرسه).
وقد ذكرت لهذه أمثالا كثيرة في «بلابل التّغريد» تستخرج التّرحّم على أهل الوفاء من أعماق القلوب ، وصوادق الألسنة.
وعلى ضدّها ما جاء في الثّورة العربيّة : أنّ الشّريف فيصل بن الحسين تسلّم عشرات ألوف الدّنانير من الأتراك في اللّيلة الّتي أعلن حربه عليهم من صبيحتها.
وإنّي لأعجب ممّن يسمّى : الحسين المنقذ .. بعد ما شاع أنّه أخذ المسلمات من نساء الأتراك وهنّ متعلّقات بأستار الكعبة ، وسلّمهنّ في جملة الأسرى للإنكليز مجرّدات (٣) ، مع أنّ الدّولة العثمانيّة هي الّتي ربّت شحم كلاه.
أقول هذا لا عن تعصّب ، بل لو كانت بي محاباة .. لحابيته ؛ إذ لم يكتب لأحد بحضرموت غيري بنبأ تلك النّهضة المشؤومة ، ولكنّ الدّين فوق كلّ عاطفة ، ولئن
__________________
(١) «تاريخ شنبل» (١٧٧).
(٢) السلطان عبد الله بن علي بن عمر بن جعفر بن بدر الكثيري ، تولى حكم حضرموت من سنة (٨٢٥ ه) تقريبا إلى وفاته بعيد سنة (٨٥٠ ه) ، «تاريخ الدولة الكثيرية» : (٢٠ ـ ٢٢).
(٣) ولقد كوفىء على فعله هذا بأن سجنته حكومة الإنكليز بجزيرة قبرص ، ومات فقيرا جائعا شريدا طريدا ؛ مصداقية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أعان ظالما على ظلمه .. سلطه الله عليه».