فقد اتّفق أن سئلت عن رجل مات وعليه دين ، وقد أوصى بوصايا ، وكانت أمّه من ورثته ، فنذرت بنصف ما انجرّ لها بالإرث فيه لآخر نذرا معلّقا بما قبل مرض موتها بيوم ، ثمّ انفكّت التّركة من حجر الدّين والوصيّة.
فأجبت بأنّ الأشخر (١) أطلق صحّة تعليق النّذر بالمرهون على صفة توجد بعد الانفكاك ، وهو كلام مطلق ، وقال ابن حجر في «فتاويه» : (ويصحّ النّذر بالمرهون ، لكن إن علّقه بالفكاك كما هو ظاهر ؛ لتعلّق حقّ الغير به. نعم ، إن كان المنذور العتق .. تأتّى فيه تفصيل عتق المرهون) اه
وفيه تقييد لما أطلقه الأشخر ، وعليه فالنّذر المذكور في السّؤال لا يصحّ إذا كانت التّركة مرهونة رهنا شرعيّا حال صدوره ؛ إذ لا تعليق فيه بالفكاك ، هذا معنى الجواب.
وكان السّيّد أحمد بن عمر الشّاطريّ قد أجاب عن هذا السّؤال بصحّة النّذر إذا لم يبق شيء من وصايا الموصي وقت وجود الصّفة ، وصادق عليه العلّامة الشّيخ فضل عرفان ، ولمّا انتهى إليهم جوابي .. شطب الشّيخ فضل مصادقته ، وصمّم العلّامة الشّاطريّ وكتب نحو صفحتين في الرّدّ عليّ ، ونقضته بأكثر من ذلك.
وبعد مدّة وصلني الوجيه السّيّد عبد الرّحمن بن شيخ الكاف ، وقال لي : إنّ السّيّد أحمد الشّاطريّ يريد أن ينقض كتابتك الأخيرة ، ولكن يخشى أن لا تنصفه.
فقلت له : معاذ الله ، وإني لأتمنّى أن يظهر لي صواب ما يقول ؛ ليقع لي شرف الرّجوع إلى الحقّ ، ولأسلم من تكدير خاطره ؛ لأنّه كما قيل لي : سريع الانفعال من مثل ذلك ، فليكتب ما شاء ، ثمّ إن قدرت على ردّه بالنّصّ من لسان القلم والبريد واقف .. فتلك أمارة الحقّ البريء من التّكلّف ، وإن لم أقدر على نقضه .. صادقت عليه مع البريد نفسه في الحين والسّاعة. وهذا غاية ما يمكن من تفسير الإنصاف.
__________________
(١) هو العلامة الفقيه المحقق محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني ، مولده سنة (٩٤٥ ه) ، ووفاته سنة (٩٩١ ه) ، من قرية بيت الشيخ بقرب الضّحي في اليمن ، تفقه في زبيد. له مصنفات نافعة.