بحر الخزر
وأما بحر الخزر فإن شرقيّه بعض الديلم وطبرستان وجرجان وبعض المفازة التى بين جرجان وخوارزم ، وغربيّه أرّان (١) وحدود السرير وبلاد الخزر وبعض مفازة الغزّية ، وشماليّه مفازة الغزّية بناحية سياكوه ، ووجنوبيّه الجيل والديلم (٢). وهذا البحر ليس له اتصال بشىء من البحار على وجه الأرض ، فلو أن رجلا طاف بهذا البحر لرجع إلى مكانه الذي ابتدأ منه ، لا يمنعه مانع إلا نهر عذب يقع فيه ، وهو بحر مالح ولا مدّ له ولا جزر ، وهو بحر مظلم قعره طين ، بخلاف بحر القلزم وسائر بحر فارس ، فإن فى بعض المواضع من بحر فارس ربما يرى عمقه لصفاء ما تحته من الحجارة البيض ، ولا يرتفع من هذا البحر شىء من الجواهر من لؤلؤ أو مرجان أو غيره مما يرتفع من البحار ، ولا ينتفع بشىء مما يخرج منه سوى السموك ، وبركب فيه التجار من أراضى المسلمين إلى أرض الخزر ، وما بين الرّان والجيل وطبرستان وجرجان. وليس فى هذا البحر جزيرة مسكونة فيها عمارة كما ذكرنا فى بحرى فارس والروم ، إلا أن فيه جزائر فيها غياض ومياه وأشجار ، وليس بها أنيس ، ومنها جزيرة سياكوه ، وهى جزيرة كبيرة بها عيون وأشجار وغياض ، وبها دوابّ وحش ؛ ومنها جزيرة بحذاء الكرّ ، وهى كبيرة بها غياض وأشجار ومياه ، ويرتفع منها الفوّة (٣) ، ويخرج إليها من نواحى برذعة ، فيحملون منها الفوّة ، ويحملون فى السفن إليها دوابّ من نواحى برذعة وسائر المواضع ، فتسرح فيها حتى تسمن (٤).
وليس من آبسكون إلى الخزر ـ عن اليمين على شط البحر ـ قرية ولا مدينة ، سوى موضع من آبسكون على نحو خمسين فرسخا يسمى دهستان ، وهى دخلة (٥) فى البحر تستتر فيها السفن فى هيجان البحر ، ويقصد هذا الموضع خلق كثير من النواحى ، ويقيمون بها للصيد ، وبها مياه ، ولا أعلم غير هذا المكان مكانا يقيم به أحد ، إلا أن يكون سياه كوه فإنه تقيم به طائفة من الأتراك ، وهم قريبو العهد بالمقام به ، لاختلاف وقع بين الغزّية وبينهم ، فانقطعوا عنهم واتخذوه مأوى ومرعى ، ولهم عيون ومراع ، هذا ما عن يمين هذا البحر من آبسكون. ومن آبسكون ـ عن يسارها إلى الخزر ـ فى عمارة متصلة إلا شيئا بين باب الأبواب والخزر ، وذلك أنك إذا أخذت من آبسكون
__________________
(١) تزيد ا ، C بعدها : من جبال القبق ، ويتفق ابن حوقل ص ٢٧٦ مع م.
(٢) فى ا ، C : وبعض الديلم.
(٣) عروق يصبغ بها.
(٤) تزيد ا ، C : وجزيرة تعرف بالروسية وجزائر صغار.
(٥) فى ا : داخلة.