ديار العرب
وابتدأت بديار العرب لأن القبلة بها ومكة فيها وهى أم القرى ، وبلد العرب وأوطانهم التى لم يشركهم فى سكناها غيرهم ، والذي يحيط بها بحر فارس من عبّادان ، وهو مصب ماء دجلة فى البحر ، فيمتد على البحرين حتى ينتهى إلى عمان ، ثم يعطف على سواحل مهرة وحضرموت وعدن ، حتى ينتهى على سواحل اليمن إلى جدّة ثم يمتد على الجار ومدين حتى ينتهى إلى أيلة ، وثمّ قد انتهى حينئذ حدّ ديار العرب من هذا البحر ، وهذا للكان من البحر لسان يعرف ببحر القلزم ، ينتهى إلى تاران وجبيلات (١) إلى القلزم فينقطع ، فهذا هو شرقى ديار العرب وجنوبيّها وشىء من غربيها ، ثم يمتد عليها من أيلة إلى مدينة قوم لوط والبحيرة الميّتة التى تعرف ببحيرة زغر ، إلى الشراة والبلقاء وهى من عمل فلسطين ، وأذرعات وحوران والبثنيّة والغوطة ونواحى بعلبك وذلك من عمل دمشق وتدمر وسلمية وهما من عمل حمص ، ثم الخناصرة وبالس وهما من عمل قنّسرين ، وقد انتهينا إلى الفرات ، ثم يمتد الفرات على ديار العرب حتى ينتهى إلى الرّقة وقرقيسيا والرّحبة والدّالية وعانة والحديثة وهيت والأنبار إلى الكوفة ومستفرغ مياه الفرات إلى البطائح ، ثم تمتد ديار العرب على نواحى الكوفة والحيرة على الخورنق وعلى سواد الكوفة إلى حد واسط ، فتصاقب ما قارب دجلة عند واسط مقدار مرحلة ، ثم تمتد على سواد البصرة وبطائحها حتى تنتهى إلى عبّادان ، فهذا الذي يحيط بديار العرب ، فما كان من عبّادان إلى أيلة فإنه بحر فارس (٢) ، ويشتمل على نحو ثلاثة أرباع ديار العرب ، وهو الحد الشرقى والجنوبى وبعض الغربى ، وما بقى من الحد الغربى من أيلة إلى بالس فمن الشام ، وما كان من بالس إلى عبّادان فهو الحد الشمالى ، فمن بالس إلى أن تجاوز الأنبار من حدّ الجزيرة ، ومن الأنبار إلى عبّادان من حد العراق ، ويتصل بأرض العرب بناحية أيلة برّية تعرف بتيه بنى اسرائيل ، وهى بريّة وإن كانت متصلة بديار العرب فليست من ديارهم ، وإنما هى برية بين أرض العمالقة واليونانيّة وأرض القبط ، وليس للعرب بها ماء ولا مرعى ، فلذلك لم ندخلها فى ديارهم ، وقد سكن طوائف من العرب من ربيعة ومضر الجزيرة حتى صارت لهم ديارا ومراعى ، فلم نذكر الجزيرة فى ديار العرب ، لأن نزولهم بها ـ وهى ديار فارس والروم ـ فى اضعاف قرى معمورة ومدن لها أعمال عريضة ، فنزلوا على حكم (٣) فارس والروم ، حتى إن بعضهم تنصّر ودان بدين الروم مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة ، وغسّان وبهراء وتنوخ من اليمن بأرض الشام.
__________________
(١) عند ابن حوقل (ديار العرب) جبيلان وفى صفة جزيرة العرب الهمدانى ص ١٢٧ (ط. القاهرة ١٩٥٣) جبلات.
(٢) على اعتبار أن بحر القلزم (البحر الأحمر) امتداد لبحر فارس حول ديار العرب ، وسيتحدث المؤلف بعد ذلك فى باب مستقل عن بحر فارس ويسمى المياه باسمائها.
(٣) فى م خفارة والتصحيح عن المخطوطتين ب ، ج والمخطوطة التى رمز إليها دى جوية بحرف A.