والطائف مدينة صغيرة نحو وادى القرى ، إلا أن أكثر ثمارها الزبيب ، وهى طيبة الهواء وأكثر فواكه مكة منها ، وهى على ظهر جبل غزوان. وبغزوان ديار بنى سعد وسائر قبائل هذيل ، وليس بالحجاز ـ فيما علمته ـ مكان هو أبرد من رأس هذا الجبل ، ولذلك اعتدل هواء الطائف ، وبلغنى أنه ربما جمد الماء فى ذروة هذا الجبل ، وليس بالحجاز مكان يجمد فيه الماء سوى هذا الموضع فيما علمته.
والحجر قرية صغيرة قليلة السكان ، وهى من وادى القرى على يوم بين جبال ، وبها كانت ديار ثمود ، الذين قال الله فيهم : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ)(١) ورأيت تلك الجبال ونحتهم ، الذين قال الله عنهم : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ)(٢) ، ورأيتها بيوتا مثل بيوتنا فى أضعاف جبال ، وتسمى تلك الجبال الأثالب ، وهى جبال فى العيان متصلة ، حتى إذا توسّطتها رأيت كل قطعة منها قائمة بنفسها ، يطوف بكل قطعة منها الطائف ، وحواليها رمل لا يكاد يرتقى إلى ذروة كل قطعة منها أحد إلا بمشقة شديدة ، وبها بئر ثمود التى قال الله فى الناقة : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٣).
وتبوك بين الحجر وبين أول الشام على أربع مراحل نحو نصف طريق الشام ، وهو حصن به عين ونخيل ، وحائط ينسب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويقال إنّ أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب كانوا بها ، ولم يكن شعيب منهم ، وإنما كان من مدين. ومدين على بحر القلزم محاذية لتبوك على نحو من ست مراحل ، وهى أكبر من تبوك ، وبها البئر التى استقى منها موسى عليهالسلام لسائمة شعيب ، ورأيت هذه البئر مغطاة قد بنى عليها بيت ، وماء أهلها من عين تجرى لهم ، ومدين اسم القبيلة التى كان منها شعيب ، وإنما سميت القرية بهم ، ألا ترى أنّ الله يقول : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)(٤). وأما الجحفة فإنها منزل عامر ، وبينها وبين البحر نحو من ميلين ، وهى فى الكبر ودوام العمارة نحو من فيد ، وليس بين المدينة ومكة منزل يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة إلا الجحفة ، ولا بين المدينة والعراق مكان يستقل بالعمارة والأهل جميع السنة مثل فيد ، وفيد فى ديار طيّئ ، وجبلا طيئ منها على مسيرة يومين (٥) ، وفيها نخيل وزرع قليل لطيئ وبها ماء قليل ، يسكنها بادية من طيئ ، ينتقلون عنها فى بعض السنة للمراعى ، وجبلة حصن فى آخر وادى ستارة ، ووادى ستارة بين بطن مرّ وعسفان عن يسار الذاهب إلى مكة ، وطول هذا الوادى نحو من يومين ، لا يكون الإنسان منه فى مكان من بطن هذا الوادى لا يرى فيه نخلا ، وعلى ظهر هذا الوادى واد مثل هذا يعرف بساية وآخر يعرف بالسائرة ، وبجبلة كانت وقعة لبنى تميم فى بكر بن وائل ، وفى جرف منها قيل هلك لقيط بن زرارة أخو حاجب.
__________________
(١) الآية ٩ : سورة الفجر.
(٢) الآية ١٥٥ : سورة الشعراء.
(٣) الآية ١٤٩ : سورة الشعراء.
(٤) الآية ٨٥ : سورة الأعراف. ٨٤ : هود
(٥) تضيف ب ، ج على مسيرة يومين من فيد.