وبحذائها من شمالى النيل مدينة صغيرة يقال لها بوصير ، بها قتل مروان بن محمد ، ويقال إنّ سحرة فرعون الذين حشرهم فى يوم موسى من بوصير ؛ فأما أسوان فإن بها نخيلا كثيرا وزروعا ، وهى أكبر مدن الصعيد ، وإسنا (١) وإخميم متقاربتان فى العمارة ، صغيرتان عامرتان بالنخيل والزروع ، وذو النون المصرى الناسك من إخميم ؛ والفرما على شط البحيرة ، وهى مدينة صغيرة خصبة ، وبها قبر جالينوس اليونانى ، ومن الفرما إلى تنّيس نحو فرسخين فى البحيرة ، وبتنّيس تل عظيم مبنى من أموات منضّدين بعضهم على بعض ، يسمى هذا التل بوتون ، ويشبه أن يكون ذلك من قبل موسى عليهالسلام ، لأن أرض مصر فى أيام موسى كان دينهم الدفن ، ثم صارت للنصارى ودينهم الدفن ، ثم صارت للإسلام ، ورأيت عليهم أكفانا من جنس الخيش ، وجماجم وعظاما فيها صلابة إلى يومنا هذا ؛ وعين شمس ومنف هما قريتان قد خربتا ، كل واحدة منهما من الفسطاط على نحو أربعة أميال ، وعين شمس من شمالى الفسطاط ومنف من جنوبيّه ، ويقال إنهما كانتا مسكنين لفرعون ، وعلى رأس جبل المقطم فى قلّته مكان يعرف بتنّور فرعون ، يقال إنه كان إذا خرج من أحد هذين الموضعين يوقد فيه ، فيعدّ فى المكان الآخر ما يعدّ له. وفى نيل مصر مواضع لا يضر فيها التمساح ، منها عند الفسطاط وبوصير وغير ذلك من أماكن معروفة ؛ وحوالى الفسطاط زرع ينبت مثل القضبان يسمى البلسان ، يتخذ منه دهن البلسان ، لا يعرف بمكان فى الدنيا إلا هناك ؛ وأما العبّاسة وفاقوس وجرجير فإنها من أرض الحوف ، ويعرف شمالىّ النيل أسفل من الفسطاط بالحوف ، وجنوبيه بالريف ، ومعظم رساتيق مصر وقراها فى هذين الموضعين.
وأما معدن الذهب فمن أسوان إليه خمسة عشر يوما ، والمعدن ليس فى أرض مصر ولكنه فى أرض البجة وينتهى إلى عيذاب ، ويقال إن عيذاب ليست من أرض البجة ، وإنما هى من مدن الحبشة ، والمعدن أرض مبسوطة لا جبل فيها ، وإنما هى رمال ورضراض ، ويسمى ذلك المكان الذي فيه مجمع الناس العلّاقى ، وليس للبجة قرى ولا خصب فيه غناء ، وإنما هم بادية ولهم نجب ، يقال إن ما فى النجب أسير منها ، ورقيقهم ونجبهم وسائر ما بأرضهم يقع إلى مصر وبمصر بغال وحمير ولا يعرف فى شىء من بلدان الإسلام أحسن ولا أثمن منها ، ولهم من وراء أسوان حمير صغار فى مقدار الكباش ، ملمّعة تشبه البغال الملمّعة ، إذا أخرجت من مواضعها لم تعش ، ولهم حمير يقال لها السملاقيّة بأرض الصعيد ، زعموا أن أحد أبويها من الوحشى والآخر من الأهلى ، فهى أسير تلك الحمير ، وبالجفار حيّات فى مقدار الشبر ، تثب من الأرض حتى تقع فى المحامل فتلسع ، وأهل مصر فى أخبارهم يزعمون أن الجفار فى أيام فرعون كانت معمورة بالقرى والمياه ، وأن الذي قال الله تعالى (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٢) هو الجفار ، ولذلك سمى العريش عريشا.
__________________
(١) فى ا وابن حوقل ص ١٠٥ : طبعة ليدن. البلينا.
(٢) الأعراف آية ١٣٧.