وقد انتحل قوم من الفرس ديانات خرجوا بها عن (١) المذاهب ، فدعوا إليها وانتصبوا (٢) لها ، لو لا أن إهمال أمرهم ضرب من العصبية وباب من التحامل ، فنذكر المحاسن ولا نذكر غيرها ، لكان من الواجب إهمال ذكرهم لشناعة أمرهم وفظاعة أخبارهم ، ولكن الوقوف على ما أمكن من أخبار الناس وسيرهم ـ من محمود ومذموم ـ غير مكروه ، فممّن عرف من هؤلاء واشتهر ذكر الحسين بن منصور المعروف بالحلّاج ـ من أهل البيضاء ، وكان رجلا حلاجا ينتحل النسك ، فما زال يرتقى به طبقا عن طبق حتى انتهى به الحال إلى أن زعم : أن من هذّب فى الطاعة جسمه ، وأشغل بالأعمال الصالحة قلبه ، وصبر على مفارقة اللذات ، وملك نفسه فى منع الشهوات ، ارتقى به الى مقام المقربين ، ثم لا يزال يتنزّل فى درج المصافاة ، حتى يصفو عن البشرية طبعه ، فإذا لم يبق فيه من البشرية نصيب ، حلّ فيه روح الله ، الذي كان منه عيسى بن مريم ، فيصير مطاعا ، فلا يريد شيئا إلا كان من كلّ ما ينفذ فيه أمر الله ، وأن جميع فعله حينئذ فعل الله ، وجميع أمره أمر الله ، فكان يتعاطى هذا ويدعو إلى نفسه بتحقيق ذلك كله ، حتى استمال جماعة من الوزراء وطبقات من حاشية السلطان وأمراء الأمصار وملوك العراق والجزيرة والجبال وما والاها ، وكان لا يمكنه الرجوع إلى فارس ولا يطمع فى قبولهم إياه ، فخاف على نفسه منهم لو ظهر لهم ، فأخذ وما زال فى دار السلطان ببغداد ، إلى أن خيف من قبله أن يستغوى كثيرا من أهل دار الخلافة من الحجاب والخدم وغيرهم ، فصلب حيا إلى أن مات. ومنهم الحسن الجنّابى ويكنى بأبى سعيد من أهل جنّابة ، كان دقاقا أظهر مذهب القرامطة فنفى عن جنّابة ، فخرج منها إلى البحرين ، فأقام بها تاجرا يستميل العرب بها ويدعوهم إلى نحلته حتى استجابوا له ، وملك البحرين وما والاها ، فكان من كسره عساكر السلطان وعيثه وعدوانه على أهل عمان ، وسائر ما يصاقبه من بلدان العرب ما قد انتشر ذكره ، حتى قتل وكفى الله أمره ، ثم قام ابنه سليمان بن الحسن فكان من قتله الحاج ، وانقطاع طريق مكة فى أيامه والتعدى فى الحرم ، وانتهاب كنوز الكعبة وقتل المعتكفين بمكة ـ ما قد اشتهر ذكره ، ولما اعترض الحاجّ بما كان منه أخذ عمه أخو أبى سعيد وقراباته فحبسوا بشيراز مدة ـ وكانوا مخالفين له فى الطريقة ، يرجعون إلى صلاح وسداد ، وشهد لهم بالنزاهة من القرمطة ـ فخلّى عنهم ، والله الحافظ للاسلام وأهله ، والشر لمن حادّ الله فى أمره.
وسنذكر الخاصيات بها : بناحية اصطخر أبنية حجارة عظيمة الشان ، من تصاوير وأساطين وآثار أبنية عادية ، يذكر الفرس أنه مسجد سليمان بن داود صلى الله عليهما (٣) ، وأن ذلك من عمل الجن ، وهى تشبه أبنية رأيتها ببعلبك وأرض الشام ومصرفى العظم ، ومما يعجز عن مثله أهل هذا العصر ، وبناحية اصطخر تفاح تكون التفاحة الواحدة منه بعضها حامض وبعضها حلو ، حدّث مرداس بن عمر بن الحسن بن رجاء ، فرأى فى وجهه
__________________
(١) فى م : من والتصويب عن ا.
(٢) فى ا : وانتسبوا إليها وهو تحريف.
(٣) هذه زيادة فى ا ، ب ، ج.