الباب السابع والعشرون
في حضور سعادة السيد مأدبة لجنة فيشمنجر
لا يخفى على من له إلمام بأحوال (١) بلاد الإنكليز أنهم قوم يحافظون على عوائد جدودهم ، ويتمسكون بها غاية التمسك. فكان قدماء الإنكليز قد قسّموا أهل الحرف والصنائع على أصناف ، وكان لكل صنف لجنة ورئيس بمنزلة شيخ يتولى أمرها.
وكان السمّاكون صنفا من هذه الأصناف. وكان شيخ هذا الصنف مفوضا من الحكم أن ينزل كل يوم إلى سوق السمك ، ويتفقد أحوال السمك قبل أن يعرض على البيع. وكان من واجباته أن يختار أحسن السمك ويرخّص ببيعه. وما لا يستحسنه كان يأمر بحرقه وإتلافه. وكان أعضاء صنف السمّاكين يقيمون مأدبة شائقة كل سنة يحضرها جميع باعة السمك وأصحابهم. وكان رئيس اللجنة أو شيخها يعطى لكل من حضر المأدبة علبة مملوءة من الحلوى ليأخذها معه إلى امرأته دلالة على أنه قد صرف ليلته في تلك المأدبة ، وليس في شيء آخر يسوء امرأته.
أما الآن فرؤساء لجنة بيّاعي السمك قد جمعوا أموالا وافرة ، وصاروا من أغنياء بلاد الإنكليز وأكبر تجارها ، واتخذوا لهم أعوانا يرسلونهم إلى السوق ليتفقدوا أحوال السمك المعروض للبيع ، ويسبروا صالحه من فاسده. ومازال هؤلاء السماكون على عوائد جدودهم يتخذون مأدبة شائقة (٢) كل سنة ، يحضرها أكابر المملكة وشرفاؤها وأمراؤها ، وتارة أولاد الملوك وبناتهم أيضا.
ولما كان السيد برغش ـ أعزه الله ـ بلندن اتخذ هؤلاء السمّاكون المأدبة المألوفة. وكلّفوا إلى سعادة السلطان أن يشرّف تلك الوليمة بحضوره إليها. فأجاب السيد طلبتهم (٣). وفيما هم
__________________
(١) أ ، ب : في أحوال
(٢) ب : فاخرة
(٣) ب : دعوتهم