بسم الله الرحمن الرحيم
الفاتحة
الحمد لله رب العالمين. مالك يوم الدين. الذي بسط الأرض مهادا. ووضع الجبال لها أوتادا. وأرسل في حزونها الأنهار جلابا. ومدّ على سطحها من الغمر بحورا عبابا. وجعل الأسفار نزهة لذوي الأبصار. وباعثا على اكتساب المعارف وكشف خبايا الأسرار. وأوحى إلى نوح عليه السّلام صنعة إنشاء السفن وسيّرها في البحار. وعلّم بنيه مدّ سكك الحديد لدرج القطار. وأرشدهم إلى رصد النجوم هداية لهم في الليل المدلهم. وكشف لهم خبايا المغنطيس عناية منه لما فيها من النفع المهم. وقال لعباده أن اسلكوا في الأرض بالطول والعرض. وجولوا البلاد. وعاشروا العباد. وأفرجوا ما في قلبكم من الغمّ. بالجوب في البرّ والقلع في اليمّ. وداووا (١) من العقل الكلوم. بشرب كوثر العلوم. وفي ذلك قال الإمام علي (٢) رضي الله عنه : (الطويل)
تغرّب عن الأوطان في طلب العلا |
|
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد |
تفرّج همّ واكتساب منافع |
|
وعلم وآداب وصحبة ماجد |
ولا جرم أن في الأسفار فوائد جمة غير هذه : منها ما قاله موسى عليه السلام : " لا تلوموا السفر فإني أدركت فيه ما لم يدركه أحد" ، يريد أن الله كلّمه وهو مسافر عن الأوطان. وقال المأمون (٣) : " لا شيء ألذّ من السفر ، فإنه يشدّ الأبدان ، وينشّط الكسلان ، ويشهّي الطعام" ، إلى غير ذلك. ولهذا كان الناس في الأسفار مذاهب : فمنهم من سافر في طلب العلم والمعارف واكتساب الفوائد. ومنهم من أراد منها الزهد والعبادة. ومنهم من قصدها في طلب
__________________
(١) ب : داوا
(٢) هو علي بن أبي طالب (٢٣ ق. ه / ٦٠٠ ـ ٤٠ ه / ٦٦١) ، أبو الحسن رابع الخلفاء الراشدين ، ابن عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم وصهره ، نسب إليه : نهج البلاغة ، وديوان شعر. الزركلي : الأعلام ٤ / ٢٩٥ وفصل : ALI : E. I. ٢ : I / ١٨٣ ـ ٦) Vaglieri (
(٣) هو عبد الله بن هارون الرشيد (١٧٠ / ٧٨٦ ـ ٢١٨ / ٨٣٣) سابع الخلفاء العباسيين. الزركلي : الأعلام ٤ / ١٤٢.