ثم صعدوا (١) بسعادة السيد ورجاله إلى مكان عال كانوا قد أشادوه من الخشب المدهون بألوان ونقوش شرقية لما زار ذلك المعمل قيصر الروسية. ومن علو هذا المكان كان السيد ورجاله يتفرجون على طريقة صهر المعادن وسبكها وتطريقها وهندامها. وفيما كان الناس واقفين ينتظرون بدء الشغل ـ ولم يشاهدوا شيئا سوى مطرقة مهولة ، وكماشة عظيمة ، وسندان ضخم ـ إذا بباب الأتون فتح ، وانبعث منه لهيب جهر العيون كأنه برق أومض من كبد السحاب. واندفعت حرارة شديدة من قلب الأتون خالها المتفرجون جبلا من نار قد انفجر وهاج في وجوههم حتى اضطروا إلى ستر أعينهم ووجوههم من شدة سعيرها مع أنّهم كانوا على بعد مسافة ثلاثين ياردة من الأتون. ولكن ما الحاجة بالحضور إلى هذا المعمل الجهنمي إذا كان الناظر يغمض عينيه ويستر وجهه ولا يرى ما قد أتى لمشاهدته؟. فلا بد إذا من كشف الوجوه وفتح العيون ، وإن تلظت بالحرارة ، وشاطت أهداب العيون بتشعع اللهيب المنبثق ، وتجعد الرأس واللحى (٢) من أجيج النار.
وبعد هنيهة رأوا الكماشة المعلقة في الهواء قد دفعتها قوة البخار إلى قلب الأتون. ثم قبضت على جبل من الحديد المحمر احمرار الجمر المتقد وأخرجته من الأتون ، ووضعته على السندان الضخم ، وكان الهواء المحيط بهذه الكتلة العظيمة من الحديد يتأجج ملتهبا. وإذا بالمطرقة العظيمة هبطت على ذلك الجبل الناري من علو ١٢ قدما (فوت) وصارت تطرقه طرقا متواترا بقوة تتزعزع لها الجبال. ومضى الطرق مستديما عليه حتى تندمج مسام ذلك الحديد ، ويتهندم شكله ، ويستحيل مدفعا متقونا ومعدا لهلاك الأبرياء من عباد الله.
فلما رأى السيد ـ أجاره الله ـ ذلك المشهد المهول ، قال لحشمه : " هلمّوا بنا إلى الصلاة : فقد انفتحت في وجوهنا أبواب جهنم ونارها ، والعياذ بالله منها".
__________________
(١) أ : فأصعدوا
(٢) أ ، ب : اللحاء