وللسيد أيضا رغبة شديدة في إيجاد الوسائط التي تساعده على تقدم (١) بلاده وتعميم الفلاحة والزراعة في ملكه واستخراج ما فيها من المعادن والكنوز. ولما كان بلندن رأى يوما كومة من الفحم المعدني في معمل الأسلحة ، فالتفت إلى من كان معه ، وأشار بيده إلى كومة الفحم ، وقال : " هذا ألماسكم الحقيقي ، يا معشر الإنكليز ، وهذا أصل غناكم ومصدر ثروة بلادكم ، وقد أدركتم ذلك حق الإدراك ، وتخللتم أحشاء الأرض وقاع البحار ، وأخرجتم كنوزها ، فاغتنيتم بها ، وأغنيتم شعوب الأرض ، وصرتم أغنى أمة على وجه البسيطة. فكم وكم من معادن الفحم في بلادي! ولكن يا للأسف لم تزل هذه الكنوز موصودة (٢) في وجوه شعبي ، ومطمورة في قلب الأرض إلى الآن ، فلوساقتكم المقادير إلى بلادي ، وعنيتم بإخراج ما فيها من المعادن لازددتم غنى (٣) ، وأغنيتم أمتي ، وعمرتم مملكتي".
ثم من دأب (٤) هذا السيد الجليل أنه يحب الحرية والمساواة بين البشر. وقد حمله حب الحرية على عتق الرقيق وإبطال تجارتهم من بلاده. وما يدلنا على حبه للحرية والعدالة هو ما قاله يوم كان بلندن وهو يتمشى في إحدى جنائنها : فإنه رأى الإنكليز يترددون على الحدائق والجنائن وهم في حبور وسرور ، فالتفت إلى وزرائه الذين كانوا في معيته ، وقال : " انظروا إلى هذا الشعب السعيد ، وإلى ما هم عليه من الحرية والغبطة! انظروا إلى أولادهم وبناتهم كيف يمرحون طربا وهم آمنون لا خوف عليهم ، ولا هم يجزعون! وما هذا إلا نتيجة العمران وإجراء العدالة والإنصاف فيهم. فقد سبقونا إلى هذه الغبطة. فعلينا أن نقتفي آثارهم ، ونجدّ في تحصيل ما أدركوه منذ أجيال عديدة عسانا ندرك ما أدركوه ، ونكون نعم المفلحين!
__________________
(١) أ ، ب : تقديم
(٢) ب : مغلقة
(٣) ب : ثراء
(٤) ب : أكد