إلمام في كنه ذلك أدرك ـ حقّ الإدراك ـ ما دون استئصالها من المصاعب والأخطار والخسائر. ولكن قد زالت الآن ـ بحوله تعالى ـ أكبر هذه المصاعب وما عدت أشتهي على الله شيئا سوى أن يديم لي وداد الدولة البريطانية ما حييت ، وأن يوطد دعائم هذه الصلات الحبيبة على أسس الخلوص والاستقامة".
" وأمّا ما أسديتموه إليّ ـ هذه الليلة ـ من العزّ والإكرام فقد انطبع في عقلي وقلبي طبعا ، لا يمحيه كرور الزمان ، ولا تدرس آثاره من نفسي آفة النسيان ، فاقبلي أيتها الأمة البريطانية العزيزة عربون ودادي وشكري : (الكامل)
فلأشكرنّك ما حييت وإن أمت |
|
فلتشكرنّك أعظمي من قبرها |
فلما ختم السيد خطابه هذا الفصيح هتف الحاضرون بأعلى أصواتهم ، وقالوا : " حبّذا! حبّذا سيد الفصحاء سلطان زنجبار! " ثم رفعوا أقداحهم ، ورشفوا عقارها بسرّ سعادته. أما السيد ـ أعزه الله ـ فلم يلمس الخمر ، ولكن مراعاة لمسايرة الحاضرين صبّ ماء زلالا في كأس ، ورفعها إلى فمه ، وقال : " إني أشرب بسرّكم (١) ـ أيها السادات ـ كأسا من الماء القراح الخالص عنوانا لخلوص ودادي لكم".
فقال الجميع : " حبّذا! حبّذا! "
ثم ختمت الوليمة ونهض السيد وتوادع مع الحاضرين ، وتصافح مع والي البلد ، وركب مركبته ، ورجع في رجاله إلى منزله بالسلامة.
__________________
(١) ب : بشرفكم