تجارة الرقيق من بلاده. ولكنه انتصر عليهم بحزمه وذكاء عقله الراجح وهمته العلية ، وأقنعهم بأن نجاح البلاد وسعادتها قائمة ليس في تجارة الرقيق الذميمة ، بل في الحرية والمساواة بين عباد الله ، ونشر المعارف ، وإدخال الصنائع ، وتحسين أحوال الزراعة ، وإجراء العدالة والإنصاف بين الأبيض والأسود ، والمسلم والنصراني ، والعربي والعجمي ، ولأن جميع البشر خلقه الله ، وهم من أب وأم واحدة وأصل واحد ، وليس لهم ما يفتخرون به على بعضهم سوى الطين والماء".
" فمن زيّنته هذه المزايا الحميدة ، وجمّلته هذه الخصال المجيدة ، كان حقيقا بأن يملك على البلاد ، ويسوس العباد ، ويخلد ذكره ، ليس فقط في صحف التاريخ ، بل في قلوب الناس أجمعين إلى دهر الداهرين ؛ فهلموا إذا أيّها السّادات هذا واشربوا معي كأس الهناء والسرور بسرّ هذا (١) السلطان الجليل الذي أوردت على أسماعكم شطرا من صفاته الحميدة". فنهض الجميع ، وحبذوا السيد برغش ، وشربوا كأسات المدام بسرّه (٢).
ولما فرغوا من التحيات أوعز السلطان إلى محبه جرجس باجر الفقيه أن يترجم شعائر قلب سعادته إلى الحاضرين.
فنهض الفقيه باجر ، وقال : " أيها السادات الكرام قد أمرني السيد بأن أترجم لكم خطابه هذا ردا على خطاب سعادة الوالي الأفخم ، فقال : قد أضحيت غريق بحر الامتنان لكم هذه الليلة السعيدة. فقد غمرتموني بالأفضال والمكارم والتبجيل. وقد أضحيت مخجولا ممّا بالغ به واليكم الأفخم في تقريظي وتعداد صفات أكاد لا أعهد في نفسي بذرة منها. فقد أفحمت في الجواب".
__________________
(١) " واشربوا ... بسر" عوضها ب : بقوله" وحيوا"
(٢) " واشربوا ... بسره" ساقط في ب