" ومنذ تشرفت بحضوري إلى بلادكم لم أفتر عن تقديم الشكران لمكاركم العميمة. والآن قد فرغ ما كان في جعبة عقلي وقاموس لغتي العربية من الكلام للتعبير عمّا في صميم قلبي من الشكران على أفضالكم ، فأطلب إليكم أن تعذروني إذا رأيتموني هذه الليلة مقصرا في الكلام ولكني أكرر تقديم الشكران لكم ألفا في ألوف من المرات".
" وممّا يجب عليّ أن أقرّ به ـ في محفلكم هذا الجليل ـ هو أني قد سررت غاية السرور بمدينتكم هذه ، وأضحيت غريقا في بحر أفضال شعبها الكريم الذي غمرني بالإكرام والعزّ والتحبيذ والترحاب. وكل هذا يفوق استحقاق شخصي الحقير".
فلما قال هذه الفقرة الأخيرة صرخ الشعب وقال : " كلا ، كلا ، أنت تستحق أكثر ممّا قلنا وفعلنا إجلالا لسعادتك".
ثم استأنف الفقيه خطابه على لسان السيد ، وقال : " امتلأ قلبي حبورا بينما كنت اليوم أطوف المدينة أريد الفرجة على ما فيها من التحف ، فرأيت العملة الذين يشتغلون في معامل القطن وغيرها يتزاحمون في الأزقة ليشاهدوني وهم لابسون ملابس الشغل. وقد أشارت إليهم صحيفة الأخبار أنهم تقاطروا أفواجا إلى الشوارع ، وهم لابسون ثيابا مبقعة بأقذار المعامل. ولكن تلك البقع في ملابس العملة هي عندي أثمن من الجواهر الكريمة ، وهي أشرف من نواشين الشرف التي تعلق على صدور الملوك".
" فلولا تلك البقع في ملابس العملة لما تيسّر للملوك لبس وحمل نواشين الشرف على صدورهم. فيا ليت كان في مملكتي رجال من العملة على طراز رجال مدينتكم هذه! فإن رفاهية معاش الأغنياء قائمة في اجتهاد العملة ، وهم أيدي وأرجل الأمة والمملكة وبدونهم لا يتيسر لهما السير على قدم النجاح. وأود لو أن أقدر [على أن] أرسل قوما من شعبي إلى مدينتكم هذه ليتعلموا من عملة معاملكم منافع الشغل والجهد ويرجعوا إلي وهم لابسون ثيابا عليها بقع المعامل ، وأنا أضيف إليها نواشين شرف منضدة بالجواهر الكريمة".