" أمّا مسألة تحرير الرقيق في بلادنا فإننا نراها قد أخذت بمجامع قلوبكم ، وشغفت عقولكم ، وأينما توجّهنا ، وحيثما حللنا رأينا لسان أمتكم لا يفتر عن النطق بها. ولا عجب في ذلك. فإنكم تتذكرون ما قاساه جدودكم من العناء وما أنفقته أمتكم من الدينار الوضاح في سبيل تحرير الرقيق من بلادكم وبلاد بقية الأمم".
" وإننا مسرورن غاية السرور بهذا كله لأننا نراكم تعتبرون قدر المصاعب التي تحملناها في هذه المسألة ، وتدركون قيمة الدراهم التي خسرناها من جراء ذلك. وما نتمناه علاوة على هذه الامتيازات (١) كلها هو أنكم لا تقفون عند هذا الحدّ ، وتقتصرون على إظهار المعروف بالكلام الداوي فقط ، بل أن تقرنوا القول بالعمل ، وتفتحوا ليس أفواهكم فقط ، بل خزائن أموالكم وتبذلوها في تحرير الرقيق بأفريقية كما بذل جدودكم خزائن أموالهم في تحرير الرقيق ببلادكم".
" وأنتم تعلمون ـ علم اليقين ـ أنّ من قال وفعل كان نعم الرجل! فنسأل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ أن يأخذ بيدكم وبيدنا ، ويقدّرنا على ما فيه خير لعباده ، فهو السميع المجيب. آمين".
فلما انتهى الفقيه من تلاوة خطاب السلطان حبّذه جميع الحاضرين طويلا. ثمّ نهضوا من المحفل وساروا بسعادة السلطان إلى بيت السفرة. وكانوا قد هيأوا له ولرجاله ولكثيرين من الأعيان وليمة فاخرة. فجلسوا جميعا. وتناولوا الطعام في هناء وصفاء. ولا حاجة إلى وصف ما كان على السفرة من فنون الأطعمة الفاخرة. فإن في الإشارة كفاية.
وبعد الطعام ، تلا الوالي خطبة أخرى فصيحة كلّف بها المدعوين أن يشربوا كأسات الهناء بسرّ سعادة السلطان. ففعلوا جميعا. وهم يصرخون بأعلى أصواتهم : " حبّذا! حبّذا! "
وفي ختام الوليمة ، شكر السلطان لوالي لندن ، ولزوجته ، ولجميع من حضر الوليمة من الأعيان. وتوادع معهم. وخرج في رجاله راجعا إلى منزله ، وخرج والي لندن معه إلى باب الدار
__________________
(١) أضاف (ب) : المتاعب. والسياق يقتضي ما أضفنا أو قريبا منه