ثم ساروا بالسيد ورجاله إلى مكان كانت فيه جثث موتى المصريين القدماء ، وقد لفّت بنسيج من القنّب (١) ، لعلّه يكون على الميّت منها زهاء ألف ذراع. وقد كفّن كل عضو على انفراده كاليد والرجل والأصابع في قمط دقاق. ثم تلفّ جثة الميت حتى يرجع كالحمل العظيم.
ويوجد بعض موتاهم في توابيت من خشب الجمّيز الثخين ، ويوجد بعضهم في نواويس من حجارة ، إمّا رخام وإمّا صوان ، وبعضهم في أزيار مملوءة عسلا.
وهؤلاء الموتى قد يوجد على جباههم وعيونهم وأنوفهم ورق من الذهب كالقشر. وربما وجد قشر من الذهب على جميع الميت كالغشاء. وربما أوجد عنده الالة التي كان يزاول بها العمل في حياته. وقد وجدوا عند ميّت منهم آلة المزيّن (٢) : مسنّ وموسى. وعند آخر آلة الحائك.
ويظهر من حالهم أنه كان من سنتهم أن يدفنوا مع الرجل آلته وماله. ويوجد في أجواف هؤلاء الموتى وأدمغتهم شيء يسمّونه" المومياء" ويشاهد أيضا داخل العظام ، وقد تشرّبته ، وسرى فيها حتى صارت كأنها جزء منه. وهذه المومياء سوداء كالقار (٣) : إذا اشتد عليه حرّ الصيف يجري ، ويلصق بما يدنو منه. وإذا طرح على الجمر غلى ودخّن. وشمّت منه رائحة القار (٤) أو الزّفت ، والغالب أنه زفت. وكان حكماء المصريين يخلطونها ، ويصبّرون (٥) بها جثث موتاهم لتصبر على ممرّ الزمان. وقد صبرت ، وصبر الزمان على ممرّها.
ثم خرجوا بالسيد ورجاله من دار التّحف ، وساروا بهم إلى مدرسة الطبّ (٦) وفرّجوهم على محلّ كانوا قد جمعوا فيه تصاوير الأمراض والأوجاع والآفات في تصاوير من شمع يخالها
__________________
(١) ب : القنب (الكتان)
(٢) ب : المزين (الحلاق)
(٣) أ : أسود كالقفر ، ب : سوداء كالقفر
(٤) أ ، ب : القفر
(٥) ب : يصبرون : (يحنطون)
(٦) أنشئت سنة ١٨٢٧ وفي سنة ١٨٣٩ أضيفت إليها مدرسة القابلات ، ثم مدرسة الصيدلة. زكي : موسوعة ص ٢٢٦